الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وثمرته أن يكون الإنسان في خلوته متأدبا في جميع أحواله كالجالس بمشهد ملك معظم ينظر إليه فإنه لا يزال مطرقا متأدبا في جميع أعماله متماسكا محترزا عن كل حركة تخالف هيئة الأدب ويكون في فكرته الباطنة كهو في أعماله الظاهرة إذ يتحقق أن الله تعالى مطلع على سريرته كما يطلع الخلق على ظاهره فتكون مبالغته في عمارة باطنه وتطهيره وتزيينه بعين الله تعالى الكائنة أشد من مبالغته في تزيين ظاهره لسائر الناس وهذا المقام في اليقين يورث الحياء والخوف والانكسار والذل والاستكانة والخضوع ، وجملة من الأخلاق المحمودة وهذه الأخلاق تورث أنواعا من الطاعات رفيعة فاليقين في كل باب من هذه الأبواب مثل الشجرة وهذه الأخلاق في القلب مثل الأغصان المتفرعة منها وهذه الأعمال والطاعات الصادرة من الأخلاق كالثمار وكالأنوار ، المتفرعة من الأغصان فاليقين هو الأصل والأساس وله مجار وأبواب أكثر مما عددناه وسيأتي ذلك في ربع المنجيات إن شاء الله تعالى .

وهذا القدر كاف في معنى اللفظ الآن .

التالي السابق


(وثمرته أن يكون الإنسان في) حال (خلوته) أي اختلائه عن أعين الناس (متأدبا في جميع أحواله) بالآداب الشرعية (كالجالس بمشهد) أي بمحضر (من ملك عظيم ينظر إليه) ويرمق أحواله في حركاته وسكناته، (فلا يزال مطرقا) خافضا بصره إلى الأرض، (متأدبا متمسكا) كذا في النسخ أي لبعضه، ولو كان بزيادة النون بعد الكاف ناسب السياق، وربما يؤيد ما في النسخ قوله بعد (متحرزا عن كل هيئة تخالف الأدب) ومن جملة الحركات التي تخالف هيئات الأدب إرادة البصر وتكريره إلى نحو السقف والحيطان والتلاعب بثيابه، أو بملبوسه أو بشيء موضوع عنده والجلوس متربعا وإلى غير القبلة وتمديد الرجل لغير علة والاتكاء لغير حاجة والتغني بأبيات وهذه وغيرها هيئات تخالف الأدب في الظاهر، وأما باطنا فاستعمال الفكر وتسريحه [ ص: 418 ] من موضع إلى موضع، ووقوفه على محل الشهوة والتأمل في محاسن ما تميل نفسه إليه، ونسيان الذكر والموت والقبر، وما يؤول الحال إليه في الحشر والنشر، فهذه كلها مما يتعلق بالباطن ولذلك قال: (ويكون في فكرته الباطنة كهو في أعماله الظاهرة) أي تكون أعماله الظاهرة مساوية لأعماله الباطنة في صدق الإخلاص والخضوع للمولى بحيث لا يميز أحدهما عن الآخر، (إذا تحقق) وفي نسخة إذ يتحقق (أن الله تعالى مطلع على سريرته) باطنه، (كما يطلع الخلق على ظاهره) فإذا علم ذلك ( فتكون مبالغته في عمارة باطنه وتطهيره) من الأرجاس والأدناس، (والتزين لعين الله سبحانه الكالئة) أي الحافظة له (أشد مبالغة في تزين ظاهره لسائر الناس) ، ومتى وصل هذا المقام ذاق ثمرة مقام الإحسان الذي ورد فيه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وللسادة الصوفية في هذا المقام تقريرات شريفة، كل منهم فيه قال: جال في المجال بحسب ما أفاض عليه المولى المتعالي، (وهذا المقام في اليقين يورث الحياء والخوف والانكسار والذل والاستكانة والخضوع، وجملة من الأخلاق الحميدة) والأوصاف الجميلة، (وهذه الأخلاق) إذا ثبت فيها وتمكن (تورث أنواعا من الطاعات رفيعة) المقدار جليلة الاعتبار، (فاليقين في كل باب من هذه الأبواب) المذكورة مثله، (مثل الشجرة) العظيمة الكثيرة الغصون، وهي المرتبة الأولى، (وهذه الأخلاق في القلب مثل الأغصان المتفرعة منها) ، هي المرتبة الثانية (هذه الأعمال) الصالحة، (والطاعات) المقبولة (الصادرة من الأخلاق كالثمار، والأنوار المتفرعة من الأغصان) وهي المرتبة الثالثة (فاليقين هو الأساس والأصل) ، والأعمال والأخلاق، والأوصاف كلها من لواحقه ومنشآته، وقد تقدم عن القوت بيان مقامات اليقين الثلاثة، وأنه قال بعد ذلك: إذ كل موقن بالله فهو على علم من التوحيد والمعرفة به ولكن علمه ومعرفته على قدر يقينه، ويقينه من نحو صفاء إيمانه وقوته وإيمانه على معنى معاملته ورعايته، فأعلى العلوم علم المشاهدة عن عين اليقين، وقال أيضا: ومثل المشاهدة من المعرفة من اليقين من الإيمان كمثل النشا من الدقيق من السويق من الحنطة، والحنطة تجمع ذلك كله كذلك الإيمان أصل ذلك، والمشاهدة أعلى فروعه كالحنطة أصل هذه المعاني والنشا أعلى فروعها، فهذه المقامات موجودة في أنوار الإيمان يمدها علم اليقين، (وله مجار وأبواب أكثر مما عددنا) هنا (وسيأتي في ربع المنجيات إن شاء الله تعالى) ونلم هناك على تحقيقات بحول الله وقوته اللهم لا سهل إلا جعلته سهلا فسهل يا كريم .

(وهذا القدر) الذي ذكرناه (كاف في تفهيم معنى اللفظ الآن) ; لأنه إنما ذكره استطرادا .




الخدمات العلمية