الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإن اسم الحكيم صار يطلق على الطبيب والشاعر والمنجم في هذا العصر وذلك بالغفلة عن تبديل الألفاظ .

اللفظ الخامس وهو الحكمة فإن اسم الحكيم صار يطلق على الطبيب والشاعر والمنجم حتى على الذي يدحرج القرعة على أكف السوادية في شوارع الطرق .

والحكمة هي التي أثنى الله عز وجل عليها فقال تعالى: يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وقال صلى الله عليه وسلم : كلمة من الحكمة يتعلمها الرجل خير له من الدنيا وما فيها فانظر ما الذي كانت الحكمة عبارة عنه وإلى ماذا نقل وقس به بقية الألفاظ واحترز عن الاغترار بتلبيسات علماء السوء فإن شرهم على الدين أعظم من شر الشياطين إذ الشيطان بواسطتهم يتدرج إلى انتزاع الدين من قلوب الخلق .

ولهذا لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شر الخلق أبى وقال اللهم اغفر حتى كرروا عليه فقال هم علماء السوء

التالي السابق


اعلم أن لها تعريفا عند أهل الشرع من الفقهاء وتعريفا عند أهل الحقيقة وتعريفا عند الحكماء، فتعريفها عند الفقهاء قالوا: جاءت بإزاء معان كثرة فمنها النبوة قال تعالى: وآتاه الله الملك والحكمة . قيل: النبوة على المشهور ومنها السنة كما في قوله تعالى: ويعلمكم الكتاب والحكمة على أحد الأقوال، وقيل: المراد علوم القرآن وعلى هذا هو نظير قوله تعالى: يؤتي الحكمة من يشاء على أحد الأقوال، ومنها الموعظة كما في قوله تعالى: حكمة بالغة ، ومنها الفهم المصيب كما في قوله تعالى: ولقد آتينا لقمان الحكمة وهي تنقسم إلى: قولية وفعلية ولما أراد الله سبحانه أن يعرفنا كمال حكمته القولية ابتدأ سورة لقمان بقوله: الم تلك آيات الكتاب الحكيم ناصا بذلك على الحكمة القولية وأدرج في أثنائها ما يدل بالتصريح والتاريخ على كمال الحكمة الفعلية، وبسط سبحانه عقب كل من الأمرين ما هو كالدليل على المذكور وكالشرح والبيان لمجمله فقال سبحانه عقب الجملة الأولى الدالة على الحكمة القولية: هدى ورحمة للمحسنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون وهذا تقرير الاستدلال على كمال حكمته سبحانه في وصفي الحكمة القولية والفعلية، والحكيم من وضع الأشياء مواضعها .

وأما تعريفها عند أهل الحقيقة فإنها تطلق عندهم على حقائق حكم سنية، الأولى: الحكمة المطلقة، وهي العلم بحقائق الأشياء على ما هي عليه من حيث هي هي، الثانية: الحكمة المنطوق بها، وهي العلوم الشرعية، الثالثة: الحكمة المسكوت عنها وهي أسرار الحقيقة، الرابعة: الحكمة المجردة وهي ما خفي علينا وجه الحكمة في إيجاده كإيلام بعض العباد وموت الأطفال والخلود في النار، والخامسة: الحكمة الجامعة وهي معرفة الحق والعمل به ومعرفة الباطل والاجتناب عنه، وأما في اصطلاح الحكماء صناعة نظرية يستفيد منها الإنسان تحصيل ما عليه الوجود كله في نفسه وما عليه الواجب مما ينبغي أن يكتسب تعلمه لتشرف بذلك نفسه ويكمل ويصير عالما فضولا مضاهيا للعالم الموجود ويستعد للسعادة القصوى الأخروية، وذلك بحسب الطاقة الإنسانية وهي قسمان: نظري وعملي مجرد .

فالقسم النظري هو الذي الغاية فيه الاعتقاد اليقيني بحال الموجودات التي لا تتعلق وجوداتها بفعل الإنسان ولكن المقصود حصول رأي فقط مثل علم التوحيد وعلم الهيئة، والقسم العملي هو الذي ليس الغاية منه حصول الاعتقاد اليقيني بالموجودات فقط، وإنما يكون المقصود منه حصول رأي في أمر يحصل بالكسب ليكتسب ما هو الخير منه فغاية النظري اعتقاد الحق وغاية العملي فعل الخير، كل ذلك ذكره شيخ مشايخنا أبو الحسن الطولوني في أماليه على البخاري وقد ذكر ابن خلدون في مقدمة تاريخه تعريف الحكمة وقسمها إلى العلمية والعملية والنظرية وقسم كلا منها إلى أقسام وذكر حكمة الإشراق والمشائين وغير ذلك نقل ذلك كله يخرجنا عن المقصود فمن أراد الزيادة فليراجع كتابه .

(فإن اسم الحكيم صار يطلق) الآن (على الطبيب) الماهر إذ الطب من جملة الصناعة النظرية (والشاعر والمنجم) وكل هؤلاء من أقسام الفلسفة كما تقدم (حتى على الذي يدحرج القرعة) ويلقيها (على أكف السوادية) وهم الأكارون نسبوا إلى سواد الأرض وريفها لملازمتهم له (في شوارع الطرق) أي: أسواقها (والحكمة) في الحقيقة (هي التي أثنى الله -عز وجل- عليها) في كتابه العزيز على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- (فقال: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) وقد تقدم أن المراد بها علوم القرآن والسنة أو الفهم المصيب والفطنة أو غير ذلك قال صاحب القوت: النور إذا جعل في الصدر انشرح القلب بالعلم، ونظر باليقين فنطق اللسان بحقيقة البيان، كما جاء في تفسير قوله تعالى: وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب ، أي: الإصابة في القول فكأنه يوفقه للحقيقة عنده فحسن التوفيق والإصابة في العلم [ ص: 264 ] مواهب من الله -عز وجل- وأثرة يخص بها من يشاء من عباده (وقال - صلى الله عليه وسلم-: كلمة من الحكمة يتعلمها الرجل خير له من الدنيا وما فيها) قال العراقي: تقدم بنحوه. اهـ .

وكأنه يشير إلى ما ذكره المصنف أولا: باب من العلم يتعلمه الرجل خير له من الدنيا وما فيها، وذكر أنه موقوف على الحسن البصري أو إلى حديث: كلمة من الخير يسمعها المؤمن فيعمل بها ويعلمها خير له من عبادة سنة وذكر أنه من مراسيل زيد بن أسلم، وقد أخرج الديلمي عن أبي هريرة كلمة حكمة يسمعها الرجل خير له من عبادة سنة وسنده ضعيف (فانظر ما الذي كانت الحكمة عبارة عنه) في العصر الأول (وإلى ماذا نقل) الآن (وقس به بقية الألفاظ) التي لم تذكر (واحترز عن الاغترار بتلبيسات علماء السوء) وإرهاصاتهم (فإن شرهم أعظم على الدين من شر الشياطين إذ الشياطين بواسطتهم) أي بواسطة علماء السوء (يتذرع) أي: يتخذ ذريعة أي: وسيلة (إلى انتزاع الدين) وسلبه (من قلوب الخلق) أجمعين (ولهذا لما سئل -صلى الله عليه وسلم- عن شر الخلق أبى) أي امتنع من الجواب (وقال اللهم غفرا) منصوب بفعل محذوف على أنه مفعول مطلق (حتى كرر عليه) في السؤال (ثم قال) عليه السلام (هم علماء السوء) .

قال العراقي أخرجه الدارمي بنحوه من حديث الأحوص بن حكيم عن أبيه مرسلا وهو ضعيف ورواه البزار في مسنده من حديث معاذ بسند ضعيف. اهـ .

قلت: قال الدارمي في مسنده حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا بقية عن الأحوص بن حكيم عن أبيه قال: سأل رجل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الشر فقال: لا تسألوني عن الشر واسألوني عن الخير يقولها ثلاثا، ثم قال: إن شر الشر شرار العلماء وإن خير الخير خيار العلماء. وأحوص بن حكيم حمصي، رأى أنسا، وسمع خالد بن معدان وطاوسا، وعنه بقية، ومحمد بن حرب، وعدة. ضعيف، كذا في الكاشف للذهبي وأشار عليه لابن ماجه، وأما أبوه فهو حكيم بن عمير العنسي الحمصي، روى عن عمر وثوبان، وعنه ابنه أحوص ومعاوية بن صالح صدوق، وأما حديث معاذ فقد أخرجه صاحب الحلية، فقال: حدثنا أحمد بن يعقوب بن المهرجان حدثنا الحسن بن محمد بن نصر حدثنا محمد بن عثمان العقيلي حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطغاوي، حدثنا الخليل بن مرة عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل، قال تصديت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يطوف فقلت: يا رسول الله أرنا شر الناس فقال: سلوا عن الخير ولا تسألوا عن الشر، شرار الناس شرار العلماء في الناس. ورواه البزار من رواية الخليل بن مرة، وفيه تعرضت أو قال: تصديت وفيه وهو يطوف بالبيت، وفيه أي الناس شر؟ وفيه اللهم غفرا سل عن الخير ولا تسأل عن الشر، والباقي سواء والخليل بن مرة ضعيف .




الخدمات العلمية