الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي معنى القضاة كل فقيه قصده طلب الدنيا بعلمه .

وروى أبو الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أوحى الله عز وجل إلى بعض الأنبياء قل للذين يتفقهون لغير الدين ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة يلبسون للناس مسوك الكباش وقلوبهم كقلوب الذئاب ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر إياي يخادعون وبي يستهزئون لأفتحن لهم فتنة تذر الحليم حيران وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم علماء هذه الأمة رجلان رجل آتاه الله علما فبذله للناس ولم يأخذ عليه طمعا ولم يشتر به ثمنا فذلك يصلي عليه طير السماء وحيتان الماء ودواب الأرض والكرام الكاتبون يقدم على الله عز وجل يوم القيامة سيدا شريفا حتى يوافق المرسلين ورجل آتاه الله علما في الدنيا فضن به على عباد الله وأخذ عليه طمعا واشترى به ثمنا فذلك يأتي يوم القيامة ملجما بلجام من نار ينادي مناد على رءوس الخلائق هذا فلان بن فلان آتاه الله علما في الدنيا فضن به على عباده وأخذ به طمعا واشترى به ثمنا فيعذب حتى يفرغ من حساب الناس وأشد من هذا ما روي أن رجلا كان يخدم موسى عليه السلام فجعل يقول : حدثني موسى صفي الله حدثني موسى نجي الله حدثني موسى كليم الله حتى أثرى وكثر ماله ففقده موسى عليه السلام فجعل يسأل عنه ولا يحس له خبرا حتى جاءه رجل ذات يوم وفي يده خنزير وفي عنقه حبل أسود فقال له موسى عليه السلام أتعرف فلانا قال نعم قال هو هذا الخنزير فقال موسى : يا رب أسألك أن ترده إلى حاله حتى أسأله بم أصابه هذا فأوحى الله عز وجل إليه لو دعوتني بالذي دعاني به آدم فمن دونه ما أجبتك فيه ولكن أخبرك لم صنعت هذا به لأنه كان يطلب الدنيا بالدين وأغلظ من هذا ما روى معاذ بن جبل رضي الله عنه موقوفا ومرفوعا في رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من فتنة العالم أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع وفي الكلام تنميق وزيادة ولا يؤمن على صاحبه الخطأ وفي الصمت سلامة وعلم ومن العلماء من يخزن علمه فلا يحب أن يوجد عند غيره فذلك في الدرك الأول من النار

التالي السابق


قال المصنف: ( وفي معنى القضاة كل فقيه قصده طلب الدنيا بعلمه) أي: فيكون حشره مع السلاطين وقال صاحب القوت: ومثل العالم مثل الحاكم وقد قسم النبي صلى الله عليه وسلم الحكام ثلاثة أقسام فقال: القضاة ثلاثة الحديث ( وروى أبو الدرداء) عويمر بن عامر رضي الله عنه تقدمت ترجمته ( أنه صلى الله عليه وسلم قال: أوحى الله إلى بعض الأنبياء قل للذين يتفقهون لغير الدين ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة يلبسون للناس مسوك الكباش) جمع مسك بالفتح فالسكون هو الجلد إشارة إلى لباس الصوف ( وقلوبهم كقلوب الذئاب ألسنتهم أحلى من العسل) أي: في الفصاحة ( وقلوبهم أمر من الصبر إياي يخادعون وبي يستهزئون لأتحين) أي: لأقدرن ( لهم فتنة تذر الحليم فيهم حيرانا) قال العراقي: رواه عبد البر في العلم بإسناد ضعيف فيه عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي قال البخاري: تركوه وقال يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال النسائي والدارقطني متروك اهـ .

قلت: هو عثمان بن عبد الرحمن بن عمر بن سعد بن أبي وقاص أبو عمرو المدني ويقال له: المالكي أيضا نسبة إلى جده إلا على أبي وقاص مالك مات في خلافة الرشيد روى عن عمة أبيه عائشة وابن أبي مليكة والزهري ومحمد الباقر ومحمد بن كعب القرظي وغيرهم وعنه يونس بن بكر الشيباني وحجاج بن نصر والهذيل بن إبراهيم الحمامي وإسماعيل بن أبان الوراق وصالح بن مالك الخوارزمي ومحمد بن يعلى بن زنبور وأبو عمر الدوري ويحيى بن بشر الحريري وآخرون روى له الترمذي حديثا واحدا في ذكر ورقة بن نوفل قال البخاري في التاريخ سكتوا وجده عمر بن سعد من رجال النسائي نزيل الكوفة صدوق لكنه مقته الناس لكونه كان أميرا على الجيش الذين قتلوا الحسين بن علي.

قال العراقي: وفي الباب عن أبي هريرة رواه ابن المبارك في الزهد نحوه دون ذكر كونه وحيا إلى بعض الأنبياء وعن أنس رواه الطبراني في الكبير بلفظ آخر مختصرا وكلاهما ضعيف اهـ .

قلت: وجدت هذا الحديث في الحلية في ترجمة وهب بن منبه ولفظه حدثنا عبد الله حدثنا علي حدثنا حسين حدثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا بكار بن عبد الله قال: سمعت وهب بن منبه يقول: قال الله عز وجل فيما يعتب به أحبار بني إسرائيل تتفقهون لغير الدين، وتتعلمون لغير العمل، وتبتاعون الدنيا بعمل الآخرة تلبسون جلود الضأن، وتخفون أنفس الذئاب، وتنقون الغذاء من شرابكم وتبتلعون أمثال الجبال من الحرام، وتثقلون الدين على الناس أمثال الجبال، ثم لا تعينونهم برفع الخناصر تطيلون الصلاة، وتبيضون الثياب تقتنصون بذلك مال اليتيم والأرملة، فبعزتي حلفت لأضربنكم بفتنة يضل فيها رأي ذوي الرأي، وحكمة الحكيم .

وأخرجه الخطيب في الاقتضاء فقال أخبرنا الحسن بن علي الجوهري، حدثنا محمد بن العباس الخراز حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، قال حدثنا الحسين بن الحسن المروزي، أخبرنا ابن المبارك فذكره سواء ( وروى الضحاك) ولفظ القوت وقد روينا عن الضحاك ( عن ابن عباس) رضي الله عنه ما [ ص: 365 ] ( عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال علماء هذه الأمة رجلان فرجل آتاه الله علما فبذله للناس ولم يأخذ عليه طمعا) أي: أجرة ( ولم يشتر به ثمنا) أي: عوضا ( فذلك) الذي ( يصلي عليه طير السماء وحيتان الماء ودواب الأرض والكرام الكاتبون يقدم على الله تعالى يوم القيامة سيدا شريفا حتى يرافق المرسلين ورجل آتاه الله علما في الدنيا فضن به) أي: بخل به ( على عباد الله وأخذ به طمعا واشترى به ثمنا) فذلك الذي ( يأتي يوم القيامة ملجما بلجام من نار ينادي مناد على رءوس الخلائق) ، وفي نسخة الأشهاد ( هذا فلان ابن فلان آتاه الله علما فضن به على عباده) وفي نسخة على عباد الله عز وجل ( وأخذ به طمعا واشترى به ثمنا يعذب حتى يفرغ من حساب الناس) .

وفي نسخة الخلق هكذا أورده صاحب القوت وقال العراقي: رواه الطبراني في الأوسط من رواية عبد الله بن خراش عن العوام بن حوشب عن شهر بن حوشب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره إلا أنه قال: فذلك يستغفر له حيتان البحر ودواب البر والطير في جو السماء ولم يقل والكرام الكاتبون، وقال فبخل وقال: فذلك يلجم يوم القيامة بلجام من نار وقال: هذا الذي آتاه الله علما فبخل به، وقال كذلك حتى يفرغ من الحساب وعبد الله بن خراش بن حوشب متفق على ضعفه وشهر بن حوشب مختلف فيه وذكر المصنف أنه من رواية الضحاك عن ابن عباس والمعروف رواية شهر بن حوشب عنه، وقال الطبراني بعد تخريجه لم يرو هذا الحديث عن العوام إلا عبد الله بن خراش ولا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد اهـ .

قلت: قد علمت أن المصنف تبع في قوله هذا صاحب القوت فلعله وقع له طريق إلى ابن عباس غير الذي أشار إليه الطبراني لكونه ثقة والضحاك المذكور هو ابن مزاحم الهلالي أبو القاسم الخراساني روى عن ابن عمر وابن عباس وأبي سعيد وزيد بن أرقم وأنس بن مالك، وقد تكلم في سماعه عن ابن عباس، بل من الصحابة وروى أيضا عن الأسود يزيد النخعي وعطاء وأبي الأحوص والنزال بن سبرة وعبد الرحمن بن عوسجة، وعنه جويبر بن سعيد وسلمة بن نبيط وعبد العزيز بن أبي رواد وإسماعيل بن أبي خالد وعمارة بن أبي حفصة وأبو حباب الكلبي ومقاتل بن حيان وجماعة .

ذكره ابن حبان في الثقات وقال: لقي جماعة من التابعين ولم يشابه أحدا من الصحابة ومن زعم أنه لقي ابن عباس فقد وهم وقال ابن عدي: عرف بالتفسير، وأما رواياته عن ابن عباس، وأبي هريرة ففيه نظر مات سنة ست ومائة ( وأشد من هذا ما روى) ولفظ القوت ومن أغلظ ما سمعت من أكل الدنيا بالعلم ما حدثونا عن عبيد بن واقد عن عثمان بن أبي سليمان قال: ( إن رجلا) ولفظ القوت ( كان) رجل ( يخدم موسى عليه السلام فجعل يقول: حدثني موسى نبي الله حدثني موسى كليم الله) ولفظ القوت: صفي الله بدل نبي الله وزاد حدثني موسى نجي الله قبل الجملة الأخيرة ( حتى أثرى وكثر ماله ففقده) وفي القوت: وفقده ( موسى عليه السلام فسأل عنه فلا يحس) أي: لم يجد ( له موسى خبرا) .

ولفظ القوت: فجعل يسأل عنه فلا يحس منه أثرا ( حتى جاءه رجل ذات يوم وفي يده خنزير في عنقه حبل أسود فقال له يا موسى) كذا في النسخ ولفظ القوت: فقال له موسى عليه السلام ( أتعرف فلانا قال) الرجل ( نعم هو هذا الخنزير) هكذا في القوت ونسخ الكتاب كلها قال: نعم قال: هو هذا الخنزير وهذه الحكاية إنما أخذها المصنف من الكتاب المذكور، فالعهدة في الاختلاف عليه ( فقال موسى عليه السلام: يا رب أسألك أن ترده إلى حاله حتى أسأله بما) وفي القوت: فيما ( أصابه هذا فأوحى الله عز وجل إليه) يا موسى ( لو دعوتني بالذي دعاني به آدم في دونه ما أجبتك فيه ولكن) وفي القوت: ولكني ( أخبرك لم صنعت هذا به) وفي القوت: ولكني أخبرك صنعت هذا به لأنه ( كان يطلب الدنيا بالدين) وفي عدم إجابة دعوة موسى عليه السلام فيه تغليظ على حال مثله ( وأغلظ من هذا ما روي عن معاذ بن جبل) رضي الله عنه ( موقوفا) عليه ( ومرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم) ولفظ القوت: وقد رويناه في مقامات علماء السوء حديثا شديدا نعوذ بالله من أهله ونسأله أن لا يبلونا بمقام منه وقد رويناه مرة [ ص: 366 ] مسندا من طريق ورويناه موقوفا على معاذ بن جبل رضي الله عنه، وإنما أذكره موقوفا أحب إلي حدثونا عن مندل بن علي عن أبي نعيم السامي عن محمد بن زياد عن معاذ بن جبل يقول فيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقفته أنا على معاذ ( قال من فتنة العالم أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع وفي الكلام تنميق وزيادة ولا يؤمن على صاحبه الخطأ وفي الصمت سلامة وعلم) كذا في النسخ ومثله في القوت: وقد أصلح العراقي في نسخته التي قرأها عليه ولده وقال سلامة وغنم ( ومن العلماء من يخزن علمه فلا يحب أن يوجد عند غيره فذلك في الدرك الأول من النار) قد تقدم أن الدركات مثل الدرجات إلا أن الدرجات استعملت في الجنة والدركات في النار .




الخدمات العلمية