الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فانظر إلى ماذا حول وبأي قشر قنع منه وكيف اتخذوا هذا معتصما في التمدح والتفاخر بما اسمه محمود مع الإفلاس عن المعنى الذي يستحق الحمد الحقيقي ، وذلك كإفلاس من يصبح بكرة ويتوجه إلى القبلة ويقول وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وهو أول كذب يفاتح الله به كل يوم إن لم يكن وجه قلبه متوجها إلى الله تعالى على الخصوص فإنه إن أراد بالوجه وجه الظاهر فما وجهه إلا إلى الكعبة وما صرفه إلا عن سائر الجهات والكعبة ليست جهة للذي فطر السموات والأرض حتى يكون المتوجه إليها متوجها إليه تعالى عن أن تحده الجهات والأقطار .

وإن أراد به وجه القلب وهو المطلوب المتعبد به فكيف يصدق في قوله وقلبه متردد في أوطاره وحاجاته الدنيوية ومتصرف في طلب الحيل في جمع الأموال والجاه واستكثار الأسباب ومتوجه بالكلية إليها فمتى وجه وجهه للذي فطر السموات والأرض ؟ وهذه الكلمة خبر عن حقيقة التوحيد فالموحد هو الذي لا يرى إلا الواحد ولا يوجه وجهه إلا إليه وهو امتثال قوله تعالى : قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون وليس المراد به القول باللسان فإنما اللسان ترجمان يصدق مرة ويكذب أخرى وإنما موقع نظر الله تعالى المترجم عنه هو القلب وهو معدن التوحيد ومنبعه .

التالي السابق


(فانظر إلى ماذا حول) لفظ التوحيد وبأي قشر قنع (وكيف اتخذ هذا) الذي سموه توحيدا (معتصما) ومتمسكا (في التمدح) به (والتفاخر بما) بالذي (اسمه محمود مع الإفلاس) أي: الخلو والفروغ، وفي بعض النسخ: على الإخلاص وهو بمعناه (عن المعنى الذي يستحق الحمد الحقيقي، وذلك كإفلاس من يصبح بكرة) أي يأتي في أول النهار (ويتوجه) بعد تطهيره (إلى القبلة) لصلاة الصبح (وهو يقول وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا) وما أنا من المشركين، أي قصدت بعبادتي وتوجهي (وهو أول كذب يفاتح الله تعالى به كل يوم) عند قيامه إلى الصلاة (إن لم يكن وجه قلبه متوجها إلى الله تعالى على الخصوص) أي بالإخلاص وتحري الاستقامة بحيث لا يكون له التفات في ذلك إلى ما سواه ما عدا مكة (والكعبة ليست جهة للذي فطر السماوات والأرض حتى يكون المتوجه إليها) خاصة (متوجها إليه تعالى أن تحده الجهات والأقطار وإن أراد به وجه القلب) كما هو المتبادر (وهو المطلوب) من العبد (المتعبد به) وفي بعض النسخ: للتعبد به (فكيف يصدق) فيه (وقلبه متردد في أوطاره وحاجاته الدنيوية) كيف يفعل في كذا؟ وكيف يترك عن كذا؟ (ومتصرف في طلب الحيل في جمع الأموال والجاه) وهو الحظوة عند الأمراء (واستكثار الأسباب) والعوارض واسترباحه (ومتوجه بالكلية إليها) أي إلى تلك الأمور المذكورة (فمتى وجه وجهه للذي فطر السماوات والأرض؟ وهذه الكلمة) الشريفة (خبر عن حقيقة التوحيد) لكونها مشيرة إلى الإخلاص في التوجه والإمحاض في العبودية والتحري في الاستقامة، ومن هنا قال الشبلي: من اطلع على ذرة من علم التوحيد ضعف عن حمل بقيته لثقل ما حمل.

(فالموحد) الحقيقي (هو الذي لا يرى إلا الواحد) أي لا يرى الشيء من حيث هو وإنما يراه من حيث أوجده الله تعالى بالقدرة وميزه بالإرادة على سابق العلم القديم، ثم أدام القطر عليه في الوجود فصح قوله لا يرى إلا الواحد (ولا يتوجه بوجهه إلا إليه) ومن هنا قال بعض أهل التحقيق: إن التوحيد هو نفي القسيم لذاته ونفي الشبيه في حقه وصفاته، ونفي الشريك معه في أفعاله ومصنوعاته (وهو امتثال) الأمر في (قوله تعالى: قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ) أصل الخوض الدخول في الماء ثم استعير للدخول في الحديث [ ص: 240 ] والحرب، ويقال: فلان يخوض أي: يتكلم بما لا ينبغي وغلب على الرديء من الكلام (وليس المراد به القول باللسان) فقط (إنما اللسان ترجمان يصدق مرة ويكذب أخرى) فلا عبرة به عند أهل الحق (وإنما موقع نظر الله تعالى المترجم عنه وهو القلب وهو معدن التوحيد ومنبعه) وتقدم حديث: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم ونياتكم.




الخدمات العلمية