الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والعالم الذي لا يعمل كالمريض الذي يصف الدواء وكالجائع الذي يصف لذائذ الأطعمة ولا يجدها .

وفي مثله قوله تعالى : ولكم الويل مما تصفون وفي الخبر إنما أخاف على أمتي زلة عالم ، وجدال منافق في القرآن

التالي السابق


( و) مثل ( العالم الذي) يعلم و ( لا يعمل) بعلمه ( كالمريض الذي يصف الدواء) بلسانه عن علم فيه ولا يستعمله ( وكالجائع الذي يصف لذائذ الأطعمة) بأنواعها ويصف كيفية صنعتها وتركيبها ( ولا يجدها و) قال صاحب القوت: فمثل العالم يعلم غيره، مثل الواصف لأحوال الصالحين العارف، بمقامات الصديقين، ولا حال له، ولا مقام فليس يعود عليه من وصفه، إلا الحجة بالعلم، والكلام وسبق العلماء بالله في المحجة بالأعمال والمقام و ( في مثله قال تعالى: ولكم الويل مما تصفون ) وقال تعالى: كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا لا يرجع إلى بصيرة في طريقه، بما اشتبه عليه من ظلمات الشبه، مما اختلف العلماء فيه، ولا يتحقق بوجه منه يجده عن حال ألبسها بوجده، وإنما هو واجد بتواجيد غيره، فغيره هو الواجد، وشاهد على شهادة سواء فالسوي هو المشاهد ( وفي الخبر مما أخاف على أمتي زلة العالم، وجدال منافق في القرآن) .

قال العراقي: فيه عن أبي الدرداء، ومعاذ، وعمر، وعلي وعمران بن الحصين، أما حديث أبي الدرداء فرواه الطبراني، من رواية أبي إدريس الخولاني عنه رفعه، أخاف على أمتي ثلاثا، زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، والتكذيب بالقدر.

وأما حديث معاذ فرواه الطبراني في معجمه الصغير، والأوسط، من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه رفعه، إني أخاف عليكم ثلاثا، وهن كائنات زلة عالم وجدال منافق بالقرآن، ودنيا تفتح عليكم. ورواه في الأوسط من رواية عمرو بن مرة عن معاذ رفعه: إياكم وثلاثة: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن الحديث، ثم فسرها وعمرو بن مرة لم يسمع من معاذ، وذكره الدارقطني في العلل، من رواية عبد الله بن سلمة بكسر اللام، عن معاذ رفعه: قال: "إن أخوف ما أخاف عليكم [ ص: 378 ] ثلاث: جدال منافق بالقرآن، وزلة عالم، ودنيا تقطع أعناقكم، وأعله ابن الجوزي في العلل المتناهية براويه المذكور، قال الدارقطني: وقد وقفه شعبة عن عمرو بن مرة يعني على معاذ، قال والوقف هو الصحيح، وأما حديث عمرو رواه أحمد من رواية أبي عثمان النهدي عنه بلفظ: "إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة كل منافق عليم اللسان"، وقد ذكره المصنف فيما تقدم موقوفا على عمر، قال الدارقطني: والموقوف أشبه بالصواب .

قلت: حديث عمر هذا رواه عبد بن حميد، وأبو يعلى مرفوعا بلفظ: "إنما أخوف ما أخاف عليكم كل منافق عليم، يتكلم بالحكمة، ويعمل بالجور"، ورواه إسحاق بن راهويه، والحارث بن أبي أسامة، ومسدد بسند صحيح، عن عبد الله بن بريدة، أن وفدا قدموا على عمر فقال لإذنه، فساق الحديث، وهو طويل، وفي آخره: ثم قال عمر: عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أخوف ما أخشى عليكم منافق عليم اللسان، واللفظ لمسدد، ثم رواه مسدد موقوفا من طريق أبي عثمان النهدي، سمعت عمر بن الخطاب، يقول وهو على المنبر; منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثر من أصابعي هذه إن أخوف من أخاف على هذه الأمة المنافق العليم، قال: وكيف يكون منافق عليم يا أمير المؤمنين؟ قال: عالم اللسان جاهل القلب". وقال حماد، وقال ميمون الكردي، عن أبي عثمان، عن عمر نحوه، وروى إسحاق في مسنده من رواية حماد، عن أبي سويد عن الحسن، قال: لما قدم أهل البصرة على عمر، فيهم الأحنف بن قيس، سرحهم وحبسه عنده، ثم قال: أتدري لم حبستك، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرنا كل منافق عالم اللسان، وإني أتخوف أن تكون منهم، وأرجو أن لا تكون منهم، فالحق بأهلك.

ثم قال العراقي: وأما حديث علي رواه الطبراني في الصغير والأوسط، من رواية الحارث الأعور عنه، رفعه: "إني لا أتخوف على أمتي مؤمنا، ولا مشركا، أما المؤمن فيحجزه إيمانه، وأما المشرك فيقمعه كفره، ولكن أتخوف عليكم منافقا عالم اللسان، يقول: ما تعرفون ويعمل ما تنكرون، وقال لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد، والحارث الأعور ضعيف .

قلت: لكن وثقه ابن حبان، وكذلك رواه إسحاق بن راهويه في مسنده بسند ضعيف لجهالة التابعي، ورواه أيضا من طريق إسحاق الفروي، وهو ضعيف عن سعيد بن المسيب، قال: قال رجل بالمدينة في حلقة: أيكم يحدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا، فقال علي: أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره، وفيه ولكن رجلا بينهما يقرأ القرآن حتى إذا دلق به يتأول على غير تأويله، فقال: ما تعلمون، وعمل ما تنكرون، فقل وأضل .

ثم قال العراقي: وأما حديث عمران بن حصين رواه أحمد، وابن حبان، من رواية عبد الله بن بريدة عنه، رفعه بلفظ: أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان، اللفظ لأحمد، وقال ابن حبان، جدال منافق عليم اللسان، وذكر الدارقطني في العلل أنه رواه عن معاذ بن معاذ عن حسين المعلم، عن ابن بريدة عن عمران رفعه، قال: ووهم فيه، قال: ورواه عبد الوهاب بن عطاء، وروح بن عبادة، وغيرهما عن حسين، عن ابن بريدة عن عمر، وهو الصواب، في قصة طويلة، قال العراقي: وهو عند ابن حبان، من رواية خالد بن الحارث، عن حسين المعلم، مثل رواية معاذ اهـ .

قلت: تقدم رواية ابن بريدة عن عمر وهكذا رواه إسحاق بن راهويه والحارث ومسدد.




الخدمات العلمية