الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال ابن مسعود رضي الله عنه عليكم بالعلم قبل أن يرفع ورفعه موت رواته فوالذي نفسي بيده ليودن رجال قتلوا في سبيل الله شهداء أن يبعثهم الله علماء لما يرون من كرامتهم ، فإن أحدا لم يولد عالما وإنما العلم بالتعلم .

وقال ابن عباس رضي الله عنهما : تذاكر العلم بعض ليلة أحب إلي من إحيائها وكذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه وأحمد بن حنبل رحمه الله .

وقال الحسن في قوله تعالى : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة إن الحسنة في الدنيا هي العلم والعبادة وفي الآخرة هي الجنة .

وقيل لبعض الحكماء : أي الأشياء تقتنى ؟ قال : الأشياء التي إذا غرقت سفينتك سبحت معك يعني العلم وقيل : أراد بغرق السفينة هلاك بدنه بالموت .

وقال بعضهم : من اتخذ الحكمة لجاما اتخذه الناس إماما ومن عرف بالحكمة لاحظته العيون بالوقار .

وقال الشافعي رحمة الله عليه من شرف العلم أن كل من نسب إليه ولو في شيء حقير فرح ومن رفع عنه حزن .

وقال عمر رضي الله عنه يا أيها الناس عليكم بالعلم فإن لله سبحانه رداء يحبه فمن طلب بابا من العلم رداه الله عز وجل بردائه فإن أذنب ذنبا استعتبه ثلاث مرات لئلا يسلبه رداءه ذلك وإن تطاول به ذلك الذنب حتى يموت .

وقال الأحنف رحمه الله كاد العلماء أن يكونوا أربابا وكل عز لم يوطد بعلم فإلى ذل مصيره .

وقال سالم بن أبي الجعد اشتراني مولاي بثلاثمائة درهم ، وأعتقني ، فقلت بأي شيء أحترف فاحترفت بالعلم فما تمت لي سنة حتى أتاني أمير المدينة زائرا فلم آذن له .

وقال الزبير بن أبي بكر كتب إلي أبي بالعراق عليك بالعلم ؛ فإنك إن افتقرت كان لك مالا وإن استغنيت كان لك جمالا وحكي ذلك في وصايا لقمان لابنه قال يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن الله سبحانه يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل السماء .

وقال بعض الحكماء : إذا مات العالم بكاه الحوت في الماء ، والطير في الهواء ويفقد وجهه ولا ينسى ذكره .

وقال الزهري رحمه الله العلم ذكر ولا تحبه إلا ذكران الرجال .

التالي السابق


الكلام في أنواع مراتب الكمال، وذكر الأفضل منها، والنظر في أي هذين الأمرين أولى به، وأقرب إليه، فهذه الأصول الثلاثة تبين الصواب، ويقع بها فصل الخطاب .

فأما مراتب الكمال فأربع: النبوة والصديقية والشهادة والولاية، كما هي في الآية هكذا على هذا الترتيب، فأعلى هذه النبوة والرسالة، ويليها الصديقية فالصديقون أئمة، أتباع الرسل، ودرجتهم أعلى بعد النبوة، فإن جرى قلم العالم بالصديقية، وسال مداده بها، كان أفضل من دم الشهيد الذي لم يلحقه في رتبة الصديقية، وإن سال دم الشهيد وقطر عليها كان أفضل من دم العالم الذي قصر عنها، فأفضلها صديقها، فإن استويا في الصديقية استويا في المرتبة. والله أعلم .

والصديقية في كمال الإيمان بما جاء به الرسول علما وتصديقا وقياما به، فهي راجعة إلى نفس العلم، فكل من كان أعلم بما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأكمل تصديقا له كان أتم صديقية، والصديقية شجرة أصولها العلم، وفروعها التصديق، وثمرتها العمل. فهذه كلمات جامعة في مسألة العالم والشهيد، وأيهما أفضل. والله أعلم .

(وقال) أبو عبد الرحمن عبد الله (بن مسعود) الهذلي حليف بني زهرة أحد السابقين الأولين من الصحابة، روى عنه علقمة والأسود وزر بن حبيش، توفي سنة اثنين وثلاثين من الهجرة: (عليكم بالعلم قبل أن يرفع ورفعه بهلاك رواته) وفي رواية: ورفعه هلاك العلماء (فوالذي نفسي بيده ليودن رجال قتلوا في سبيل الله شهداء أن يبعثهم الله علماء لما يرون من كرامتهم، وإن أحدا لم يولد عالما) من بطن أمه (وإنما العلم بالتعلم) هكذا أورده بتمامه ابن القيم وغيره .

وأخرج اللالكائي في السنة من رواية أيوب، عن أبي قلابة، عن ابن مسعود، قال: "عليكم بالعلم قبل أن يقبض، وقبضه أن يذهب أهله، أو قال: أصحابه" قال: "وعليكم بالعلم فإن أحدكم لا يدري متى يفتقد أو يفتقر إلى ما عنده" الحديث .

وعند البيهقي في المدخل من طريق علي بن الأقمر، والعسكري من حديث أبي الزعراء، كلاهما عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود قال: "إن الرجل لا يولد عالما، وإنما العلم بالتعلم".

وفي كتاب العلم من صحيح البخاري: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإنما العلم بالتعلم" قال الحافظ في مقدمة الفتح: رواه ابن أبي عاصم في كتاب العلم من حديث معاوية، هاتين الجملتين. اهـ .

أي مرفوعا، وقال في الفتح: ورواه الطبراني كذلك من طريقه بلفظ: "يا أيها الناس تعلموا، إنما العلم بالتعلم، والفقه بالتفقه، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" وإسناده حسن .

قال القسطلاني: ورواه أبو نعيم في رياضة المتعلمين من حديث أبي الدرداء مرفوعا: "إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يطعه". اهـ .

قلت: وأخرجه الطبراني في الأوسط والخطيب عن أبي الدرداء بزيادة: "ومن يتق الشر يوقه، ثلاث من كن فيه لم ينل الدرجات العلى، ولا أقول لكم: الجنة: من تكهن، أو استقسم، أو رده من سفره تطير".

(وقال ابن عباس: تذاكر العلم) أي: مذاكرته مع نفسه ليرسخ في ذهنه أو مع غيره بقصد الفائدة له أو لصاحبه أو لهما (بعض ليلة أحب إلي من إحيائها) كلها بالصلاة ونحوها؛ لتعدي النفع في المذاكرة .

قال ابن القيم: وفي مسائل إسحاق بن منصور: قلت لأحمد بن حنبل: قوله تذاكر العلم بعض ليلة إلخ، أي علم [ ص: 92 ] أراد؟ قال: هو العلم الذي ينتفع به الناس في أمر دينهم .

قلت: في الوضوء والصلاة والصوم والحج والطلاق ونحوها. قال نعيم: وقال لي إسحاق بن راهويه: هو كما قال أحمد. اهـ .

(وكذا روي عن أبي هريرة) -رضي الله عنه-: "لأن أجلس ساعة فأتفقه في ديني أحب إلي من أن أحيي ليلة إلى الصباح" وهذا قد أخرجه أبو نعيم في الحلية من رواية يزيد بن عياض، عن صفوان بن سليم، عن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة، كما مر في الحديث الحادي والعشرين .

(وأحمد بن حنبل) وإسحاق بن راهويه وغيرهم من العلماء؛ فإنهم نبهوا على ذلك في أقاويلهم، فمن ذلك ما أورده صاحب القوت عن وهب بن منبه "مجلس يتنازع فيه العلم أحب إلي من قدره صلاة؛ لعل أحدهم يسمع الكلمة فينتفع بها السنة، أو ما بقي من عمره".

(وقال الحسن) البصري (في) تفسير (قوله تعالى: ربنا آتنا في الدنيا حسنة ) قال: (هي العلم والعبادة) أي: العمل بما علم ( وفي الآخرة حسنة ) قال: (هي الجنة) قال الراغب والسمين: الحسنة يعبر بها عن كل ما يسر من نعمة تنال الإنسان في نفسه وبدنه وأحواله، والسيئة تضادها، وهما من الألفاظ المشتركة، تفسر في كل موضع ما يليق به، والحسنة إن كانت اسما يستعمل في الأعيان والأحداث، فلو صارت وصفا فالمتعارف أنها في الأحداث. اهـ .

وإنما سمي العلم المقرون بالعبادة حسنة; لأنه يبهج صاحبه، ويرغب فيه، ومن ذلك يفسرها بالجنة أيضا .

وقال غير الحسن: المراد بالحسنة في الموضعين النعمة والخصب (قيل لبعض العلماء: أي الأشياء تقتنى؟) أي: تحفظ وتدخر وتضن بها (قال: الأشياء التي إذا غرقت سفينتك) في البحر (سبحت معك) أي عامت وسلمت من الغرق (يعني العلم) وكونه محفوظا في الصدور والأذهان، ومن كان علمه من كتابه ربما غرق مع السفينة، ومن هنا قالوا: العلم ما دخل معك في الحمام .

ويحكى عن بعض العلماء أنه ركب مع تجار في المركب فانكسرت بهم السفينة، فأصبحوا بعد عز الغني في ذل الفقر، ووصل العالم إلى البلد فأكرم وقصد بأنواع التحف والكرامات، فلما أرادوا الرجوع إلى بلدهم قالوا: هل لك إلى قومك كتاب أو حاجة؟ قال: نعم، تقولون لهم: إذا اتخذتم مالا فاتخذوا مالا لا يغرق إذا انكسرت السفينة .

(وقيل: أراد بغرق السفينة هلاك بدنه بالموت) أي: ذكر السفينة كناية عن جسمه والموت كناية عن الغرق في البحر، فإذا عرض به عارض الموت بقي علمه حيا إلى يوم القيامة .

(و) ذكر ابن الأثير في النهاية أن الحكمة مأخوذة من الحكمة -محركة- وهي الحديدة التي في فم الدابة المركوبة، بها يحكم راكبها أمرها، ومن هنا قال بعضهم: (من اتخذ الحكمة لجاما اتخذه الناس إماما) نقله النعماني في شرح البخاري.

وفي طبقات ابن السبكي في ترجمة أبي الحسن الأشعري: دخل رجل على الجبائي، فقال له: هل يجوز أن يسمى الله تعالى عاقلا؟ فقال الجبائي: لا؛ لأن العقل مشتق من العقال، وهو المانع، والمنع في حق الله محال، فامتنع الإطلاق، قال الشيخ أبو الحسن: فقلت له: فعلى قياسك لا يسمى الله تعالى حكيما; لأن هذا الوصف مشتق من حكمة اللجام، وهي الحديدة المانعة للدابة عن الخروج، ويشهد لذلك قول حسان:


فنحكم بالقوافي من هجانا ونضرب حين تختلط الدماء

أي نمنع بالقوافي من هجانا، فإذا كان اللفظ مشتقا من المنع، والمنع على الله محال لزمك أن تمنع إطلاق حكيم عليه سبحانه وتعالى، قال: فلم يجد جوابا .

(ومن عرف بالحكمة) في القول والعمل (لاحظته العيون بالوقار) أي: الهيبة والتعظيم (وقال الشافعي) فيما روي عنه بإسناد حسن: (من شرف العلم أن كل من نسب إليه ولو في شيء حقير فرح) لاتصافه بما يتميز به عن غيره (ومن دفع عنه) بجهل أو نسيان (حزن، وقال) أمير المؤمنين (عمر) بن الخطاب العدوي القرشي (رضي الله عنه) فيما رواه الإسماعيلي والذهبي في مناقبه: (أيها الناس عليكم بالعلم) أي: بالاشتغال بطلبه (فإن لله رداء يحبه) الرداء كالكساء: ما يتردى به الإنسان (فمن طلب بابا من) أبواب (العلم) بإخلاص نيته (رداه بردائه) ذلك، أي: كساه به (فإن أذنب ذنبا استعتبه) أي: طلب رجوعه إليه، واستقالته، ومنه الحديث: "ولك العتبى [ ص: 93 ] حتى ترضى" .

(وإن تطاول به ذلك الذنب حتى يموت) هذا من شرف العلم وبركته، هكذا في سائر النسخ، والذي في المفتاح لابن القيم: استعتبه؛ لئلا يسلبه رداءه ذلك حتى يموت به، قال: واستعتاب الله عبده أن يطلب منه أن يعتبه، أي يزيل عتبه عليه بالتوبة والاستغفار والإنابة، فإذا أناب إليه رفع عنه عتبه، فيكون قد أعتب ربه، أي: أزال عتبه عنه، والرب تعالى قد استعتبه، أي: طلب منه أن يعتبه .

(وقال) أبو بحر (الأحنف) بن قيس بن معاوية التميمي الغبري، من العلماء الأجلاء، قيل: اسمه صخر، والأحنف لقب له، وقيل: اسمه الضحاك، وبه جزم الحافظ ابن حجر، ولد في عهده -صلى الله عليه وسلم- ولم يدركه: (كاد العلماء أن يكونوا أربابا) أي: ملوكا وسادات؛ لكثرة ما يخضع لهم وينقاد إلى أوامرهم، كقولهم: كاد العروس أن يكون سلطانا (وكل عز لم يؤكد بعلم فإلى ذل مصيره) أي: مرجعه ومآله .

(وقال سالم بن أبي الجعد) الأشجعي مولاهم الكوفي، من كبار التابعين، روى عن عمر وعائشة وهو مرسل، وله حديث واحد في الصحيحين عن أنس، وروى أيضا عن ابن عمر وابن عباس، وعنه: الأعمش وابن منصور، توفي سنة مائة، وهو ثقة: (اشتراني مولاي) من بني أشجع (بثلاثمائة درهم، وأعتقني، فقلت) في نفسي: (بأي حرفة أحترف) أشتغل (فاحترفت بالعلم) واشتغلت به في تحصيله (فما تمت لي سنة) واحدة (حتى أتاني أمين المدينة) أي: حافظها ومالكها، وفي نسخة: أمير بالراء (زائرا) فاستأذن في الدخول علي (فلم آذن له) وهذا الهدهد مع حقارته أجاب سيدنا سليمان -عليه السلام- مع علو رتبته بصولة العلم، بقوله: أحطت بما لم تحط به غير مكترث بتهديده .

(وقال) أبو عبد الله (الزبير بن أبي بكر) ويعرف ببكار الزبيري قاضي مكة، ولد سنة 172، سمع عن ابن عيينة وأبي ضمرة، وعنه ابن ماجه والمحاملي، صدوق، إخباري، علامة، توفي سنة 256 (كتب إلي أبي) هو أبو بكر بن عبد الله بن الزبير، روى عن جديه الزبير وأسماء، وعنه عثمان بن أبي حكيم وابن أبي خيرة، أخرج حديثه ابن ماجه (بالعراق) أي: حالة كونه به: (عليك بالعلم؛ فإنك إن كنت فقيرا كان) العلم (لك مالا) أي: تحصل به المال (وإن استغنيت) وكنت عالما (كان لك جمالا) وزينة وبهجة؛ فإن العلم للعلماء كالحلي للناهد. وقد روي مثل ذلك في فضل حسن الخط، وليس إسناده بمستقيم .

(وحكي ذلك في وصايا لقمان لابنه) وهو الذي أثنى الله تعالى عليه في كتابه، اختلف في نبوته، قيل: كان حكيما، وقيل: كان رجلا صالحا، وكان خياطا أو نجارا أو راعيا، وقيل: حبشيا، وقيل: نوبيا، كل ذلك نقله الزجاج .

(وقال) أيضا كما في الموطأ: قال لقمان لابنه: (يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك) إشارة إلى شدة القرب، وعدم الحياء في التعلم؛ فإنه إذا تأخر عن مجالسهم ولم يقربهم لم يستفد، وانظر إلى حديث جبريل -عليه السلام- "أسند ركبتيه إلى ركبتيه" وهكذا شأن المتعلمين (فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة) بعد أن ماتت بظلمات الجهل (كما يحيي الأرض) الجدبة (بوابل المطر) فشبه القلب بالأرض الجدبة التي لا نبات بها بجامع عدم الانتفاع، وشبه الحكمة بالمطر الغزير بجامع الانتفاع، والأرض إنما تحتاج إلى المطر في بعض الأوقات، فإذا تتابع عليها احتاجت إلى انقطاعه، وأما العلم فيحتاج إليه القلب بعدد الأنفاس، ولا يزيده كثرته إلا صلاحا ونفعا .

(وقال بعض الحكماء: إذا مات العالم بكاه الحوت في الماء، والطير في الهواء) شاهده: ما أخرجه ابن النجار عن أنس: "ويستغفر لهم الحيتان في البحر إذا ماتوا إلى يوم القيامة" وقد تقدم شرحه في الحديث الثاني، والسر في ذلك; لأن العلماء هم الذين يعلمون الناس أحكام الصيد والذبائح، والإحسان في الذبح والقتل، وما يحل من الصيد وما لا يحل، ونهي الجهلة العوام عن قتل ما لا يؤذي، وعن صيد ما لا ينتفع به، وأشباه ذلك، وهناك وجه آخر سيأتي قريبا .

(ويفقد وجهه ولا ينسى ذكره) شاهده: كلام علي -رضي الله عنه- في أول هذا الباب: العلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة .

(وقال) أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب (الزهري) روى عن ابن عمر وسهل وابن [ ص: 94 ] المسيب، وحديثه عن أبي هريرة في الترمذي، وعن رافع بن خديج في النسائي، وعنه يونس ومعمر ومالك، توفي سنة 124 في رمضان .

قال أبو نعيم في الحلية: حدثنا أحمد بن إسحاق، حدثنا أبو الطيب أحمد بن روح، حدثنا السري بن عاصم، حدثنا سفيان، قال: سمعت الزهري يقول: (العلم ذكر ولا يحبه إلا ذكران الرجال) ونص الحلية: العلم ذكر لا يحبه إلا الذكور من الرجال، أي: أقوياء الرجال .

وأخرجه الخطيب في كتابه أشرفية أصحاب الحديث من طريق محمد بن يونس، قال: حدثنا محمد بن عبيد الله العتبي، حدثنا سعيد الخطاف عن الزهري، فساقه، وزاد: "ولا يزهد فيه إلا إناثها" والباقي سواء، معنى قوله: "ذكر" أي: عظيم، ومنه الحديث: "القرآن ذكر فذكروه" أي عظموه، ويعبر بالذكر أيضا عن القوي الجلد .

وقال أبو نعيم أيضا: حدثنا محمد بن حميد، حدثنا عبد الله بن أبي داود، حدثنا سليمان بن سعيد، حدثنا

سعيد بن عامر، عن أبي بكر الهذلي قال: قال الزهري: يا هذلي أيعجبك الحديث؟ قلت: نعم، قال: "إنما يعجبه مذكرو الرجال ويكرهه مؤنثوهم" .

وأخرجه الخطيب في كتاب شرف أهل الحديث، من طريق بكر بن سلام أبي الهيثم، حدثني أبو بكر الهذلي فساقه، وفيه "أما إنه يعجب ذكور الرجال" والباقي سواء، وأنشد للعباس بن محمد الخراساني تغمده الله برحمته:


لا يطلب العلم إلا باذل ذكر وليس يبغضه إلا المخانيث

ورويناه أيضا في كتاب المجالسة للدينوري، قال: حدثنا عبد الله بن مسلم بن قتيبة، حدثنا الرقاش، عن أبي يعقوب الخطابي، عن عمه قال: قال الزهري: الحديث ذكر يحبه ذكور الرجال ويكرهه مؤنثوهم .

ورأيت في حواشي الزركشي على علوم ابن الصلاح أن بعض الناس ضبط في قول الزهري "ذكر" بالكسر وهو خطأ .




الخدمات العلمية