الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال أحمد أكثر الناس كذبا القصاص والسؤال .

وأخرج علي رضي الله عنه القصاص من مسجد جامع البصرة فلما سمع كلام الحسن البصري لم يخرجه إذا كان يتكلم في علم الآخرة والتفكير بالموت والتنبيه على عيوب النفس وآفات الأعمال وخواطر الشيطان ووجه الحذر منها ويذكر بآلاء الله ونعمائه وتقصير العبد في شكره ويعرف حقارة الدنيا وعيوبها وتصرمها ونكث عهدها وخطر الآخرة وأهوالها فهذا هو التذكير المحمود شرعا

التالي السابق


(وقال) الإمام (أحمد) ابن حنبل (أكثر الناس كذبا القصاص والسؤال) أورده صاحب القوت من طريق محمد بن جعفر أن أبا الحارث حدثه أنه سمع أحمد بن حنبل يقول: أكذب الناس والباقي سواء، قال السيوطي، وأخرج السلفي في الطيوريات من طريق الفضل بن زياد قال سمعت أحمد بن حنبل، يقول: أكذب الناس السؤال والقصاص وأخرجه الطرطوشي أيضا هكذا إلا أنه زاد في آخره قيل له لو رأيت قاصا صدوقا أكنت مجالسهم قال لا .

(وأخرج علي -رضي الله عنه- القصاص من جامع البصرة) حين دخلها وقال لا يقص في المسجد، أورده هكذا صاحب القوت والطرطوشي، وأخرج أبو بكر المروزي في كتاب العلم، وأبو جعفر النحاس في كتاب الناسخ والمنسوخ عن أبي البختري قال: دخل علي بن أبي طالب المسجد، فإذا رجل يخوف، ولفظ المروزي: يقص فقال: ما هذا؟ فقالوا: رجل يذكر الناس، فقال: ليس برجل يذكر الناس، ولكنه يقول: أنا فلان بن فلان، فاعرفوني، فأرسل إليه فقال: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ فقال: لا، قال: قم من مسجدنا ولا تذكر فيه، وأخرج ابن أبي شيبة وأبو خيثمة والمروزي معا في كتاب العلم وأبو داود والنحاس في كتاب الناسخ والمنسوخ عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: مر علي بن أبي طالب برجل يقص فقال: أعرفت الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت (ولما سمع كلام الحسن البصري لم يخرجه) هذا السياق من كتاب القوت قال: ولما دخل علي -رضي الله عنه- البصرة، جعل يخرج القصاص من المسجد ويقول: لا يقص في مسجدنا حتى انتهى إلى الحسن وهو يتكلم في هذا العلم فاستمع إليه ثم انصرف ولم يخرجه (إذ كان يتكلم في علم الآخرة والتذكير بالموت والتنبيه على عيوب النفس وآفات الأعمال وخواطر الشيطان ووجه الحذر منها ويذكر بآلاء الله سبحانه ونعمائه وتقصير العبد في شكره ويعرف حقارة الدنيا وتصرمها) أن انقطاعها وذهابها عن قريب (وقلة عهدها وعظم) وفي نسخة: خطر (الآخرة وأهوالها) .

قال صاحب القوت، وقد كان الحسن البصري أحد المذكرين وكان مجالسه مجالس الذكر يخلو فيها مع إخوانه وأتباعه من النساك والعباد في بيته مثل مالك بن دينار، وثابت البناني وأيوب السختياني ومحمد بن واسع وفرقد السبخي وعبد الواحد بن زيد، فيقول: هاتوا انشروا النوى فيتكلم عليهم في هذا العلم من علم اليقين والقدرة وفي خواطر القلوب وفساد الأعمال ووساوس النفوس فربما قنع بعض أصحاب الحديث رأسه فاختفى من ورائهم ليسمع ذلك فإذا رآه الحسن قال له يا لكع، وأنت تصنع ههنا إنما خلونا مع أصحابنا نتذاكر ثم قال: وكان الحسن أول من أنهج سبيل هذا العلم وفتق الألسنة به، ونطق بمعانيه وأظهر أنواره وكشف قناعه وكان يتكلم فيه بكلام لم يسمعوه من أحد من إخوانه، فقال له: يا أبا سعيد إنك تتكلم في هذا العلم بكلام لم نسمعه من أحد غيرك فممن أخذت هذا فقال: من حذيفة بن اليمان قيل: وقالوا لحذيفة نراك تتكلم في هذا العلم بكلام لا نسمعه من أحد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فممن أخذته فقال خصني به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان الناس يسألونه عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه وعلمت أن الخير لا يسبقني. اهـ .

قلت: وهذا الكلام الأخير أخرجه مسلم في باب الأمر بلزوم الجماعة [ ص: 244 ] من طريق بشر بن عبد الله الخضري أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول: سمعت حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. الحديث بطوله وسيأتي هذا في آخر الباب السادس (فهذا هو التذكير) النافع (المحمود) عاقبة (شرعا) .

قال ابن الجوزي في كتاب القصاص والمذكرين في أوله سأل سائل فقال: نرى كلام السلف يختلف في مدح القصاص وذمهم فبعضهم يحرض على الحضور عندهم وبعضهم ينهى عن ذلك ونحن نسأل أن تذكر لنا فصلا يكون فصلا لهذا الأمر فأجبت: لا بد من كشف حقيقة هذا الأمر ليبين المحمود منه والمذموم .

اعلم أن لهذا الفن ثلاثة أسماء: قصص وتذكير ووعظ فالقصاص هو الذي يتبع القصة الماضية بالحكاية عنها والشرح لها وذلك القصص، وهذا في الغالب عبارة عمن يروي أخبار الماضين وهذا لا يذم لنفسه؛ لأن في ذلك عبرة لمعتبر وعظة لمزدجر، وإنما كره بعض السلف القصص لأحد ستة أشياء فذكرها، ثم قال: وأما التذكير فهو تعريف الخلق نعم الله -عز وجل- عليهم وحثهم على شكره وتحذيرهم من مخالفته، وأما الوعظ فهو تخويف يرق له القلب وحذار محمود إلى أن قال: وقد صار كثير من الناس يطلقون على الوعاظ اسم القاص وعلى القاص اسم المذكر والتحقيق ما ذكرنا. اهـ .




الخدمات العلمية