الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (150) قوله تعالى: قل هلم شهداءكم : "هلم" هنا اسم فعل بمعنى أحضروا، و "شهداءكم" مفعول به، فإن اسم الفعل يعمل عمل مسماه من تعد ولزوم. واعلم أن "هلم" فيها لغتان لغة الحجازيين ولغة التميميين: فأما لغة الحجاز فإنها فيها بصيغة واحدة سواء أسندت لمفرد أم مثنى أم مجموع أم مؤنث نحو: هلم يا زيد يا زيدان يا زيدون يا هند يا هندان يا هندات، وهي على هذه اللغة عند النحاة اسم فعل لعدم تغيرها، والتزمت [ ص: 212 ] العرب فتح الميم على هذه اللغة وهي حركة بناء بنيت على الفتح تخفيفا، وأما لغة تميم وقد نسبها الليث إلى بني سعد فتلحقها الضمائر كما تلحق سائر الأفعال فيقال: هلما هلموا هلمي هلممن. وقال الفراء: "يقال هلمين يا نسوة" وهي على هذه اللغة فعل صريح لا يتصرف. هذا قول الجمهور، وقد خالف بعضهم في فعليتها على هذه اللغة وليس بشيء، والتزمت العرب أيضا فيها على لغة تميم فتح الميم إذا كانت مسندة لضمير الواحد المذكر، ولو يجيزوا فيها ما أجازوا في رد وشد من الضم والكسر.

                                                                                                                                                                                                                                      واختلف النحويون فيها: هل هي بسيطة أو مركبة؟ ثم القائلون بتركيبها اختلفوا فيما ركبت منه: فجمهور البصريين على أنها مركبة من "ها" التي للتنبيه، ومن "المم" أمرا من لم يلم، فلما ركبتا حذفت ألف "ها" لكثرة الاستعمال، وسقطت همزة الوصل للاستغناء عنها بحركة الميم المنقولة إليها لأجل الإدغام، وأدغمت الميم في الميم، وبنيت على الفتح فقيل: بل نقلت حركة الميم للام فسقطت الهمزة للاستغناء عنها فلما جيء بـ "ها" التي للتنبيه التقى ساكنان: ألف ها واللام من "لم" لأنها ساكنة تقديرا، ولم يعتدوا بهذه الحركة لأن حركة النقل عارضة، فحذفت ألف "ها" لالتقاء الساكنين تقديرا. وقيل: بل حذفت ألف "ها" لالتقاء الساكنين، وذلك أنه لما جيء بها مع الميم سقطت همزة الوصل في الدرج فالتقى ساكنان: ألف "ها" ولام "المم" فحذفت ألف "ها" فبقي هلمم، فنقلت حركة الميم إلى اللام وأدغمت. وذهب بعضهم إلى أنها مركبة من "ها" التي للتنبيه أيضا ومن "لم" أمرا من "لم الله شعثه" أي جمعه، والمعنى عليه في هلم، لأنه بمعنى: اجمع نفسك إلينا، فحذفت ألف "ها" لكثرة الاستعمال، وهذا سهل جدا، إذ ليس فيه إلا عمل واحد هو حذف [ ص: 213 ] ألف "ها" وهو مذهب الخليل وسيبويه. وذهب الفراء إلى أنها مركبة من هل التي للزجر ومن أم أمرا من الأم وهو القصد، وليس فيه إلا عمل واحد وهو نقل حركة الهمزة إلى لام هل. وقد رد كل واحد من هذه المذاهب بما يطول الكتاب بذكره من غير فائدة. و "هلم" تكون متعدية بمعنى أحضر، ولازمة بمعنى أقبل، فمن جعلها متعدية أخذها من اللم وهو الجمع، ومن جعلها قاصرة أخذها من اللمم وهو الدنو والقرب.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية