الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (91) قوله تعالى: حق قدره : منصوب على المصدر وهو في الأصل صفة للمصدر، فلما أضيف الوصف إلى موصوفه انتصب على ما كان ينتصب عليه موصوفه، والأصل: قدره الحق كقولهم: جرد قطيفة وسحق عمامة. وقرأ الحسن البصري وعيسى الثقفي: جرد قطيفة وسحق عمامة. وقرأ الحسن البصري وعيسى الثقفي: "قدروا" بتشديد الدال، "قدره" بتحريكها، وقد تقدم أنهما لغتان.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: "إذ قالوا" منصوب بـ "قدروا" وجعله ابن عطية منصوبا بقدره، وفي كلام ابن عطية ما يشعر بأنها للتعليل. و "من شيء" مفعول به زيدت فيه "من" لوجود شرطي الزيادة. قوله: "نورا" منصوب على الحال وفي صاحبه وجهان، أحدهما: أنه الهاء في "به" فالعامل فيها "جاء" . والثاني: أنه الكتاب، فالعامل فيه "أنزل" و "للناس" صفة لـ "هدى" .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "تجعلونه" يقرؤه ابن كثير وأبو عمرو بياء الغيبة، وكذلك "يبدونها" و "يخفون" ، والباقون بتاء الخطاب في ثلاثة الأفعال، فأما الغيبة فللحمل على ما تقدم من الغيبة في قوله: "وما قدروا" إلى آخره، وعلى هذا فيكون في قوله: "وعلمتم" تأويلان أحدهما: أنه خطاب لهم أيضا وإنما جاء به على طريقة الالتفات. والثاني: أنه خطاب للمؤمنين اعترض به بين الأمر بقوله: قل من أنزل وبين قوله قل الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما قراءة تاء الخطاب ففيها مناسبة لقوله وعلمتم ما لم تعلموا أنتم [ ص: 35 ] ورجحها مكي وجماعة لذلك، قال مكي: "وذلك أحسن في المشاكلة والمطابقة واتصال بعض الكلام ببعض، وهو الاختيار لذلك، ولأن أكثر القراء عليه" . قال الشيخ: "ومن قال إن المنكرين العرب أو كفار قريش لم يمكن جعل الخطاب لهم بل يكون قد اعترض ببني إسرائيل فقال خلال السؤال والجواب: تجعلونها قراطيس، ومثل هذا يبعد وقوعه; لأن فيه تفكيكا للنظم حيث جعل أول الكلام خطابا للكفار وآخره خطابا لليهود". قال:" وقد أجيب بأن الجميع لما اشتركوا في إنكار نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بعض الكلام خطابا للعرب وبعضه خطابا لبني إسرائيل ".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "تجعلونه قراطيس" يجوز أن تكون "جعل" بمعنى صير، وأن تكون بمعنى ألقى أي: تضعونه في كاغد. وهذه الجملة في محل نصب على الحال: إما من "الكتاب"، وإما من الهاء في "به"، كما تقدم في "نورا وهدى".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله "قراطيس" فيه ثلاثة [أوجه] ، أحدها: أنه على حذف حرف الجر أي: في قراطيس وورق، فهو شبيه بالظرف المبهم فلذلك تعدى إليه الفعل بنفسه.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه على حذف مضاف أي: تجعلونه ذا قراطيس. والثالث: أنهم نزلوه منزلة القراطيس. وقد تقدم تفسير القراطيس، والجملة من قوله "تبدونها" في محل نصب نعتا لقراطيس، وأما "تخفون" فقال أبو البقاء: "إنها صفة أيضا لها، وقدر ضميرا محذوفا أي: وتخفون منها كثيرا" . وأما [ ص: 36 ] مكي فقال: "وتخفون" مبتدأ لا موضع له من الإعراب. انتهى، كأنه لما رأى خلو [هذه الجملة من ضمير] يعود على "قراطيس" منع كونه صفة، وقد تقدم أنه مقدر أي: منها، وهو أولى. قد جوز الواحدي في "تبدون" أن يكون حالا من ضمير "الكتاب" من قوله "تجعلونه قراطيس" على أن تجعل الكتاب القراطيس في المعنى لأنه مكتتب فيها. انتهى. قوله: "على أن تجعل" اعتذار عن مجيء ضميره مؤنثا، وفي الجملة فهو بعيد أو ممتنع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: "وعلمتم" يجوز أن يكون على قراءة الغيبة في "يجعلونه" وما عطف عليه مستأنفا، وأن يكون حالا، وإنما أتى به مخاطبا لأجل الالتفات، وأما على قراءة تاء الخطاب فهو حال، ومن اشترط "قد" في الماضي الواقع حالا أضمرها هنا أي: وقد علمتم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "قل الله" الجلالة يجوز فيها وجهان أحدهما: أن تكون فاعلة بفعل محذوف أي: قل أنزله، وهذا هو الصحيح للتصريح بالفعل في قوله ليقولن خلقهن العزيز . والثاني: أنه مبتدأ والخبر محذوف تقديره: الله أنزله، ووجه مناسبته مطابقة الجواب للسؤال، وذلك أن جملة السؤال اسمية فلتكن جملة الجواب كذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: في خوضهم يلعبون يجوز أن يكون "في خوضهم" متعلقا بـ "ذرهم" ، وأن يتعلق بـ "يلعبون" ، وأن يكون حالا من مفعول "ذرهم" ، وأن يكون حالا من فاعل "يلعبون" فهذه أربعة أوجه، وأما "يلعبون" فيجوز أن يكون حالا من مفعول "ذرهم" ، ومن منع أن تتعدد الحال لواحد لم يجز حينئذ أن يكون "في خوضهم" حالا من مفعول "ذرهم" بل يجعله: إما متعلقا بـ "ذرهم" كما تقدم [ ص: 37 ] أو بـ "يلعبون" أو حالا من فاعله، ويجوز أن يكون "يلعبون" حالا من ضمير "خوضهم" ، وجاز ذلك لأنه في قوة الفاعل لأن المصدر مضاف لفاعله; لأن التقدير: ذرهم يخوضوا لاعبين، وأن يكون حالا من الضمير في "خوضهم" إذا جعلناه حالا لأنه تضمن معنى الاستقرار فتكون حالا متداخلة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية