الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (5) قوله تعالى: فما كان دعواهم : جوزوا في "دعواهم" وجهين، أحدهما: أن يكون اسما لـ "كان" و "إلا أن قالوا" خبرها، وفيه خدش من حيث إن غير الأعرف جعل اسما، والأعرف جعل خبرا، وقد فهمت ذلك في أول الأنعام عند لم تكن فتنتهم والثاني: أن يكون "دعواهم" خبرا مقدما و "إلا أن قالوا" اسما مؤخرا، ذكر ذلك الزمخشري، ومكي ابن أبي طالب، وسبقهما إلى ذلك الفراء والزجاج، واختاره الزجاج. ولكن ذلك يشكل من قاعدة أخرى ذكرها النحاة وهو أن الاسم والخبر في هذا الباب متى خفي إعرابهما وجب تقديم الاسم وتأخير الخبر نحو: كان موسى صاحبي، وما كان دعائي إلا أن استغفرت، قالوا: لأنهما كالمفعول والفاعل، فمتى خفي الإعراب التزم كل في مرتبته، وهذه الآية مما نحن فيه فكيف يدعى فيها ذلك، بل كيف يختاره الزجاج؟ وقد رأيت كلام الزجاج هنا فيمكن أن يؤخذ منه جواب عن هذا المكان وذلك أنه قال: إلا أن الاختيار إذا كانت "الدعوى" في موضع رفع أن يقول: فما كانت دعواهم، فلما قال: "كان [ ص: 254 ] دعواهم" دل على أن الدعوى في موضع نصب، غير أنه يجوز تذكير الدعوى وإن كانت رفعا. قلت: فمن هنا يقال: تذكير الفعل فيه قرينة مرجحة لإسناد الفعل إلى "أن قالوا"، ولو كان مسندا للدعوى لكان الأرجح "كانت" كما قال، وهو قريب من قولك: "ضربت موسى سلمى" فقدمت المفعول بقرينة تأنيث الفعل، وأيضا فإن ثم قرينة أخرى وهي كون الأعرف أحق أن يكون اسما من غير الأعرف.

                                                                                                                                                                                                                                      والدعوى تكون بمعنى الدعاء وبمعنى الادعاء، والمقصود بها هاهنا يحتمل الأمرين جميعا، ويحتمل أيضا أن يكون بمعنى الاعتراف. فمن مجيئها بمعنى الدعاء ما حكاه الخليل: "اللهم أشركنا في صالح دعوى المسلمين" تريد في صالح دعائهم، وأنشدوا:


                                                                                                                                                                                                                                      2139 - وإن مذلت رجلي دعوتك أشتفي بدعواك من مذل بها فتهون



                                                                                                                                                                                                                                      ومنه قوله تعالى: فما زالت تلك دعواهم وقال الزمخشري: "ويجوز: فما كان استغاثتهم إلا قولهم هذا لأنه لا يستغاث من الله تعالى بغيره، من قولهم دعواهم يالكعب". وقال ابن عطية: "وتحتمل الآية أن يكون المعنى: فما آلت دعاويهم التي كانت في حال كفرهم إلا إلى الاعتراف" كقول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      2140 - وقد شهدت قيس فما كان نصرها     قتيبة إلا عضها بالأباهم

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 255 ] و "إذ" منصوب بـ "دعواهم".

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إنا كنا "كنا" وخبرها في محل رفع خبرا لإنا، وإن وما في حيزها في محل نصب محكيا بـ "قالوا"، و "قالوا" وما في حيزه لا محل له لوقوعه صلة لأن. وأن وما في حيزها في محل رفع أو نصب على حسب ما تقدم من كونها اسما أو خبرا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية