الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (92) قوله تعالى: الذين كذبوا شعيبا : فيه خمسة أوجه، أحدها: أن هذا الموصول في محل رفع بالابتداء وخبره الجملة التشبيهية بعده. قال الزمخشري: وفي هذا الابتداء معنى الاختصاص كأنه قيل: [ ص: 386 ] الذين كذبوا شعيبا هم المخصوصون بأن أهلكوا واستؤصلوا، كأن لم يقيموا في دارهم، لأن الذين اتبعوا شعيبا قد أنجاهم الله تعالى. قلت: "قوله يفيد الاختصاص" هو معنى قول الأصوليين: "يفيد الحصر" على خلاف بينهم في ذلك، إذا قلت: "زيد العالم"، والخلاف في قولك "العالم زيد" أشهر منه فيما تقدم فيه المبتدأ.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: أن الخبر هو نفس الموصول الثاني وخبره، فإن الموصول الثاني مبتدأ، والجملة من قوله كانوا هم الخاسرين في محل رفع خبرا له، وهو وخبره خبر الأول، و كأن لم يغنوا : إما اعتراض وإما حال من فاعل "كذبوا". الثالث: أن يكون الموصول الثاني خبرا بعد خبر عن الموصول الأول، والخبر الأول الجملة التشبيهية كما تقدم. الرابع: أن يكون الموصول بدلا من قوله قبل: الذين كفروا من قومه كأنه قال: "وقال الملأ الذين كفروا منهم الذين كذبوا شعيبا" وقوله: لئن اتبعتم شعيبا معمول للقول فليس بأجنبي. الخامس: أنه صفة له أي: للذين كفروا من قومه. هذه عبارة أبي البقاء، وتابعه الشيخ عليها. والأحسن أن يقال: بدل من الملأ أو نعت له، لأنه هو المحدث عنه والموصول صفة له، والجملة التشبيهية على هذين الوجهين حال من فاعل "كذبوا" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما الموصول الثاني، فقد تقدم أنه يجوز أن يكون خبرا باعتبارين: أعني كونه أول أو ثانيا، ويجوز أن يكون بدلا من فاعل "يغنوا" أو منصوبا بإضمار "أعني" أو مبتدأ وما بعده الخبر. وهذا هو الظاهر لتكون كل جملة مستقلة [ ص: 387 ] بنفسها. وعلى هذا الوجه ذكر الزمخشري أيضا أن الابتداء يفيد الاختصاص قال: أي هم المخصوصون بالخسران العظيم دون أتباعه، وقد تقدم موضحا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: كأن لم يغنوا يغنون: بمعنى يقيمون يقال: غني بالمكان يغنى فيه أي: أقام دهرا طويلا، وقيده بعضهم بالإقامة في عيش رغد فهو أخص من مطلق الإقامة. قال الأسود بن يعفر:


                                                                                                                                                                                                                                      2249 - ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة في ظل ملك ثابت الأوتاد



                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معنى الآية هنا من الغنى الذي هو ضد الفقر، قاله الزجاج فقال: "وغني في مكان كذا: إذا طال مقامه فيه مستغنيا به عن غيره".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية