الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (185) قوله تعالى: وأن عسى : "أن" فيها وجهان أحدهما: وهو الصحيح أنها المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الأمر والشأن. و "عسى" وما في حيزها في محل الرفع خبرا لها، ولم يفصل هنا بين أن والخبر وإن كان فعلا; لأن الفعل الجامد الذي لا يتصرف يشبه الأسماء، ومثله وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ، والخامسة أن غضب الله عليهآ في قراءة نافع لأنه دعاء. وقد وقع خبر "أن" جملة طلبية في هاتين الآيتين الأخيرتين فإن "عسى" للإنشاء، و "غضب الله" دعاء.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها المصدرية، قاله أبو البقاء يعني التي تنصب المضارع الثنائية الوضع، وهذا ليس بجيد; لأن النحاة نصوا على أن "أن" المصدرية لا توصل إلا بالفعل المتصرف مطلقا أي ماض ومضارع وأمر و "عسى" لا يتصرف فكيف يقع صلة لها؟ و "أن" على كلا الوجهين في محل جر نسقا على "ملكوت"، أي: وألم ينظروا في أن الأمر والشأن عسى أن يكون. و "أن يكون" فاعل عسى، وهي حينئذ تامة لأنها متى رفعت أن وما في حيزها كانت تامة، ومثلها في ذلك أوشك واخلولق. وفي اسم [ ص: 527 ] "يكون" قولان، أحدهما: هو ضمير الشأن، ويكون "قد اقترب أجلهم" خبرا لها. والثاني: أنه "أجلهم" و "قد اقترب" جملة من فعل وفاعل هو ضمير "أجلهم" ولكن قدم الخبر وهو جملة فعلية على اسمها، وقد تقدم ذلك والخلاف فيه: وهو أن ابن مالك يجيزه، وابن عصفور يمنعه، عند قوله: ما كان يصنع فرعون .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: " فبأي " متعلق بـ " يؤمنون " وهي جملة استفهامية سيقت للتعجب، أي: إذا لم يؤمنوا بهذا الحديث فكيف يؤمنون بغيره؟ والهاء في "بعده" تحتمل العود على القرآن وأن تعود على الرسول، ويكون الكلام على حذف مضاف، أي: بعد خبره وقصته، وأن تعود على "أجلهم"، أي: إنهم اذا ماتوا وانقضى أجلهم فكيف يؤمنون بعد انقضاء أجلهم؟ قال الزمخشري: فإن قلت: بم تعلق قوله: "فبأي حديث بعده يؤمنون"؟ قلت: بقوله "عسى أن يكون قد اقترب أجلهم" . كأنه قيل: لعل أجلهم قد اقترب فما لهم لا يبادرون [إلى] الإيمان بالقرآن قبل الموت، وماذا ينتظرون بعد وضوح الحق، وبأي حديث أحق منه يريدون أن يؤمنوا"؟ يعني التعلق المعنوي المرتبط بما قبله لا الصناعي وهو واضح.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ويذرهم" قرأ الأخوان بالياء وجزم الفعل، وعاصم وأبو عمرو بالياء أيضا ورفع الفعل، ونافع وابن كثير وابن عامر بالنون ورفع الفعل أيضا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد روي الجزم أيضا عن نافع وأبي عمرو في الشواذ. فالرفع من وجه واحد [ ص: 528 ] وهو الاستئناف أي: وهو يذرهم، أو: ونحن نذرهم على حسب القراءتين. وأما السكون فيحتمل وجهين أحدهما: أنه جزم نسقا على محل قوله "فلا هادي له" لأن الجملة المنفية جواب للشرط فهي في محل جزم فعطف على محلها وهو كقوله تعالى: وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر بجزم "يكفر"، وكقول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      2350 - أنى سلكت فإنني لك كاشح وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد



                                                                                                                                                                                                                                      وأنشد الواحدي أيضا قول الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      2351 - فأبلوني بليتكم لعلي     أصالحكم وأستدرج نويا



                                                                                                                                                                                                                                      قال: حمل "أستدرج" على موضع الفاء المحذوفة من قوله "فلعلي أصالحكم" . والثاني: أنه سكون تخفيف كقراءة أبي عمرو: ينصركم و يشعركم ونحوه. وأما الغيبة فجريا على اسم الله تعالى، والتكلم على الالتفات من الغيبة إلى التكلم تعظيما.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية