الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (138) قوله تعالى: وجاوزنا ببني إسرائيل : كقوله: فرقنا بكم البحر من كون الباء يجوز أن تكون للتعدية، وأن تكون للحالية كقوله: [ ص: 442 ]

                                                                                                                                                                                                                                      2284 - . . . . . . . . . . . . . . . . . تدوس بنا الجماجم والتريبا



                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم ذلك. وجاوز بمعنى جاز. ففاعل بمعنى فعل. وقرأ الحسن وإبراهيم وأبو رجاء ويعقوب: جوزنا بالتشديد، وهو أيضا بمعنى فعل المجرد كقدر وقدر.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: يعكفون صفة لـ " قوم " . وقرأ الأخوان "يعكفون" بكسر العين، ويروى عن أبي عمرو أيضا. والباقون بالضم، وهما لغتان في المضارع كيعرشون. وقد تقدم معنى العكوف واشتقاقه في البقرة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: كما لهم آلهة الكاف في محل نصب صفة لإلها، أي: إلها مماثلا لإلههم. وفي "ما" ثلاثة أوجه، أحدها: أنها موصولة حرفية أي: تتأول بمصدر، وعلى هذا فصلتها محذوفة، وإذا حذفت صلة "ما" المصدرية فلا بد من إبقاء معمول صلتها كقولهم: "لا أكلمك ما أن حراء مكانه" أي: ما ثبت أن حراء مكانه. وكذا هنا تقديره: كما ثبت لهم الهة، فآلهة فاعل بـ "ثبت" المقدر. وقال أبو البقاء في هذا الوجه: والجملة بعدها صلة لها، وحسن ذلك أن الظرف مقدر بالفعل. قلت: كلامه على ظاهره ليس بجيد; لأن "ما" المصدرية لا توصل بالجملة الاسمية على المشهور، وعلى رأي من يجوز ذلك فيشترط فيها غالبا أن تفهم الوقت كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2285 - واصل خليلك ما التواصل ممكن     فلأنت أو هو عن قريب ذاهب

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 443 ] ولكن مراده أن الجار مقدر بالفعل، وحينئذ تؤول إلى جملة فعلية أي: كما استقر لهم الهة.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: أن تكون "ما" كافة لكاف التشبيه عن العمل فإنها حرف جر. وهذا كما تكف "رب"، فيليها الجمل الاسمية والفعلية، ولكن ليس ذلك على سبيل الوجوب، بل يجوز في الكاف وفي "رب" مع ما الزائدة بعدهما وجهان: العمل والإهمال، وعلى ذلك قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      2286 - وننصر مولانا ونعلم أنه     كما الناس مجروم عليه وجارم



                                                                                                                                                                                                                                      وقول الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      2287 - ربما الجامل المؤبل فيهم     وعناجيج بينهن المهارى



                                                                                                                                                                                                                                      يروى برفع "الناس" و "الجامل" وجرهما. هذا إذا أمكن الإعمال. أما إذا لم يمكن تعين أن تكون كافة كهذه الآية إذا قيل بأن "ما" زائدة.

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث: أن تكون "ما" بمعنى الذي، و "لهم" صلتها وفيه حينئذ ضمير مرفوع مستتر، و "آلهة" بدل من ذلك الضمير. والتقدير: كالذي استقر هو لهم الهة. وقال أبو البقاء في هذا الوجه: والعائد محذوف و "آلهة" بدل منه تقديره: كالذي هو لهم، وتسميته هذا حذفا تسامح; لأن ضمائر الرفع إذا كانت فاعلة لا توصف بالحذف بل بالاستتار. [ ص: 444 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية