الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (89) قوله تعالى: إن عدنا : شرط جوابه محذوف عند الجمهور أي: فقد افترينا، حذف لدلالة ما تقدم عليه، وعند أبي زيد والمبرد والكوفيين هو قوله: " فقد افترينا "، وهو مردود بأنه لو كان جوابا بنفسه لوجبت فيه الفاء. وقال أبو البقاء: قد افترينا بمعنى المستقبل لأنه لم يقع وإنما سد مسد جواب "إن عدنا" وساغ دخول "قد" هنا لأنهم نزلوا الافتراء عند العود منزلة الواقع فقرنوه بقد، وكأن المعنى: قد افترينا الآن إن هممنا بالعود.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه الجملة وجهان، أحدهما: أنها استئناف إخبار فيه معنى التعجب، قاله الزمخشري، كأنه قيل: ما أكذبنا على الله إن عدنا في الكفر. والثاني: أنها جواب قسم محذوف حذفت اللام منه، والتقدير: والله لقد [ ص: 382 ] افترينا، ذكره الزمخشري أيضا. وجعله ابن عطية احتمالا وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                      2247 - بقيت ما لي وانحرفت عن العلى ولقيت أضيافي بوجه عبوس



                                                                                                                                                                                                                                      قال: كما تقول "افتريت على الله إن كلمت فلانا". ولم ينشد ابن عطية البيت الذي بعد هذا وهو محل الفائدة لأنه مشتمل على الشرط وهو:


                                                                                                                                                                                                                                      إن لم أشن على ابن هند غارة     لم تخل يوما من نهاب نفوس



                                                                                                                                                                                                                                      قوله: بعد إذ نجانا منصوب بـ "نعود" أي: ما يكون ولا يستقيم لنا عود بعد أن حصل لنا التنجية منها.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: إلا أن يشاء في هذا الاستثناء وجهان، أحدهما: أنه متصل. والثاني: أنه منقطع. ثم القائلون بالاتصال مختلفون فمنهم من قال: هو مستثنى من الأوقات العامة والتقدير: وما يكون لنا أن نعود فيها في وقت من الأوقات إلا في وقت مشيئة الله ذلك، وهذا متصور في حق من عدا شعيبا، فإن الأنبياء لا يشاء الله ذلك لهم لأنه عصمهم. ومنهم من قال: هو مستثنى من الأحوال العامة. والتقدير: ما يكون لنا أن نعود فيها في كل حال إلا في حال مشيئة الله تعالى. وقال ابن عطية: ويحتمل أن يريد استثناء ما يمكن أن يتعبد الله به المؤمنين مما تفعله الكفرة من القربات فلما قال لهم: إنا لا نعود في ملتكم، ثم خشي أن يتعبد الله بشيء من أفعال الكفرة فيعارض ملحد بذلك ويقول: هذه عودة إلى ملتنا استثنى مشيئة الله فيما يمكن أن يتعبد به. [ ص: 383 ] قال الشيخ: "وهذا الاحتمال لا يصح لأن قوله: "بعد إذ نجانا الله منها" إنما يعني النجاة من الكفر والمعاصي لا من أعمال البر". قلت: قد حكى ابن الأنباري هذا القول عن المعتزلة الذين لا يؤمنون بالإرادة ثم قال: "وهذا القول متناوله بعيد، لأن فيه تبعيض الملة"، وقيل: هذا استثناء على سبيل التسليم والتأدب.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عطية: "ويقلق هذا التأويل من جهة استقبال الاستثناء، ولو كان الكلام "إلا إن شاء" قوي هذا التأويل". وهذا الذي قاله سهو لأن الماضي يتخلص للاستقبال بعد "إن" الشرطية، كما يتخلص المضارع له بأن المصدرية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: الضمير في قوله " فيها " ليس عائدا على الملة بل عائد على الفرية، والتقدير: وما يكون أن نعود في الفرية إلا أن يشاء ربنا. وهو حسن لولا بعده. وكرر هنا قوله "بيننا وبين قومنا" بخلاف قوله حتى يحكم الله بيننا زيادة في تأكيد تمييزه ومن تبعه من قومه. وقد تقدم أن الفتح الحكم بلغة حمير، وقيل بلغة مراد وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                      2248 - ألا أبلغ بني عصم رسولا     بأني عن فتاحتكم غني



                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "علما" نصب على التمييز وهو منقول من الفاعلية، تقديره: وسع علم ربنا كل شيء كقوله تعالى: واشتعل الرأس شيبا . [ ص: 384 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية