الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (142) قوله تعالى: وواعدنا موسى ثلاثين : تقدم الخلاف في وعدنا وواعدنا. وأتى الظرف بعده مفعول ثان على حذف مضاف، ولا يجوز أن يكون ظرفا لفساد المعنى في البقرة فكذا هنا، أي: وعدناه تمام ثلاثين، أو اثناءها أو مناجاتها.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وأتممناها بعشر في هذا الضمير قولان، أحدهما: أنه يعود على المواعدة المفهومة من "واعدنا"، أي: وأتممنا مواعدته بعشر. والثاني: أنها تعود على ثلاثين قاله الحوفي. قال الشيخ: "ولا يظهر لأن الثلاثين لم تكن ناقصة فتم بعشر". وحذف تمييز "عشر" لدلالة الكلام عليه، أي: وأتممناها بعشر ليال. وفي مصحف أبي "تممناها" بالتضعيف، عداه بالتضعيف.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: فتم ميقات ربه أربعين الفرق بين الميقات والوقت: أن الميقات [ ص: 447 ] ما قدر فيه عمل من الأعمال، والوقت وقت للشيء من غير تقدير عمل أو تقريره. وفي نصب "أربعين" أوجه أحدها: أنه حال. قال الزمخشري: "وأربعين" نصب على الحال أي: تم بالغا هذا العدد. قال الشيخ: " فعلى هذا لا تكون الحال "أربعين" ، بل الحال هذا المحذوف فينافي قوله". قلت: لا تنافي فيه لأن النحاة لم يزالوا ينسبون الحكم للمعمول الباقي بعد حذف عامله المنوب عنه، وله شواهد منها: "زيد في الدار أو عندك" فيقولون: الجار والظرف خبر، والخبر في الحقيقة إنما هو الحدث المقدر العامل فيهما. وكذا يقولون: "جاء زيد بثيابه": "بثيابه" حال، والحال إنما هو العامل فيه، إلى غير ذلك. وقدره الفارسي بـ "معدودا" قال: كقولك: "تم القوم عشرين رجلا" أي: معدودين هذا العدد. وهو تقدير حسن.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: أن ينتصب "أربعين" على المفعول به، قال أبو البقاء: "لأن معناه بلغ، فهو كقولهم: بلغت أرضك جريبين"، أي يضمن "تم" معنى "بلغ". الثالث: أنه منصوب على الظرف. قال ابن عطية: "ويصح أن تكون "أربعين" ظرفا من حيث هي عدد أزمنة". وفي هذا نظر كيف يكون ظرفا للتمام، والتمام إنما هو بآخر جزء من تلك الأزمنة؟ إلا بتجوز بعيد: وهو أن كل جزء من أجزاء الوقت سواء كان أولا أم آخرا إذا نقص ذهب التمام. الرابع: أن ينتصب على التمييز. قال الشيخ: والأصل: "فتم أربعون [ ص: 448 ] ميقات ربه" ثم أسند التمام إلى ميقات، وانتصب "أربعون" على التمييز، فهو منقول من الفاعلية" يعني فيكون كقوله: واشتعل الرأس شيبا وهذا الذي قاله وجعله هو الذي يظهر يشكل بما ذكره هو في الرد على الحوفي، حيث قال هناك: "إن الثلاثين لم تكن ناقصة فتتم" كذلك ينبغي أن يقال هنا إن الأربعين لم تكن ناقصة فتتم، فكيف يقدر "فتم أربعون ميقات ربه" ؟ فإن أجاب هنا بجواب فهو جواب هناك لمن اعترض عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فتم ميقات ربه أربعين في هذه الجملة قولان، أظهرهما: أنها للتأكيد لأن قوله قبل ذلك "وأتممناها بعشر" فهم أنها أربعون ليلة. وقيل: بل هي للتأسيس لاحتمال أن يتوهم متوهم بعشر ساعات أو غير ذلك، وهو بعيد جدا.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ربه" ولم يقل: ميقاتنا جريا على "واعدنا" لما في إظهار هذا الاسم الشريف من الاعتراف بربوبية الله له وإصلاحه له.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله "هارون" الجمهور على فتح نونه وفيه ثلاثة أوجه. الأول: أنه مجرور بدلا من "أخيه" الثاني: أنه عطف بيان له. الثالث: أنه منصوب بإضمار أعني. وقرئ شاذا "هارون" بالضم وفيه وجهان أحدهما: أنه منادى حذف منه حرف النداء، أي: يا هارون كقوله: يوسف أعرض . والثاني: أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هو هارون، وهذا في المعنى كالوجه الذي تقدم من أنه منصوب بإضمار أعني فإن كليهما قطع. وقال أبو البقاء: "ولو قرئ بالرفع" فذكرهما، كأنه لم يطلع على أنها قراءة. [ ص: 449 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية