الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (81) قوله تعالى: وكيف أخاف ما أشركتم : قد تقدم الكلام على "كيف" في أول البقرة، وهذه نظيرتها. و"ما" يجوز فيها ثلاثة الأوجه، أعني كونها موصولة اسمية أو نكرة موصوفة أو مصدرية، والعائد على الأولين محذوف أي: ما أشركتموه بالله أو إشراككم بالله غيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: "ولا تخافون" يجوز في هذه الجملة أن تكون نسقا على [ ص: 22 ] "أخاف" فتكون داخلة في حيز التعجب والإنكار، وأن تكون حالية أي: وكيف أخاف الذي تشركون حال كونكم أنتم غير خائفين عاقبة إشراككم، ولا بد من إضمار مبتدإ قبل المضارع المنفي بـ لا، لما تقدم غير مرة أي: كيف أخاف الذي تشركون أو يخاف إشراككم حال كونكم آمنين من مكر الله الذي أشركتم به غيره. وهذه الجملة وإن لم يكن فيها رابط يعود على ذي الحال لا يضر ذلك لأن الواو بنفسها رابطة، وانظر إلى حسن هذا النظم السوي حيث جعل متعلق الخوف الواقع منه بالأصنام، ومتعلق الخوف الواقع منهم إشراكهم بالله غيره تركا لأن يعادل الباري تعالى بأصنامهم، لو أبرز التركيب على هذا فقال: "ولا تخافون الله" مقابلة لقوله وكيف أخاف معبوداتكم . وأتى بـ "ما" في قوله "ما أشركتم" وفي قوله " ما لم ينزل به سلطانا " لأنهم غير عقلاء، إذ هي جماد أحجار، وحيث كانوا ينحتونها ويعبدونها.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ما لم ينزل" مفعول لـ "أشركتم" وهي موصولة اسمية أو نكرة، ولا تكون مصدرية لفساد المعنى، و"به" و"عليكم" متعلقان بـ "ينزل" ، ويجوز في "عليكم" وجه آخر: وهو أن يكون حالا من "سلطانا" لأنه لو تأخر عنه لجاز أن يكون صفة. وقرأ الجمهور "سلطانا" ساكن اللام حيث وقع. وقرئ بضمها، وقيل: هي لغة مستقلة فيثبت بها بناء "فعل" بضم الفاء والعين، أو هي إتباع حركة لأخرى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: "فأي الفريقين أحق" لم يقل: أينا أحق نحن أم أنتم إلزاما لخصمه بما يدعيه عليه، ولأنه لا يزكي القائل نفسه، وهذا بخلاف قول الآخر: [ ص: 23 ]

                                                                                                                                                                                                                                      1975 - فلئن لقيتك خاليين لتعلمن أيي وأيك فارس الأحزاب



                                                                                                                                                                                                                                      فلله فصاحة القرآن وآدابه. وقوله: "إن كنتم" جوابه محذوف، أي: فأخبروني، ومتعلق العلم محذوف، ويجوز أن لا يراد له مفعول أي: إن كنتم من ذوي العلم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية