الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          [ ص: 358 ] ويحنث حالف على تمر للحلاوة ، بكل حلو ، وحالف لا يكلم امرأته للهجر ، بوطئها ، لاقتضاء اليمين منعا والتزاما ، فهي كالأمر والنهي . بخلاف أعتقه لأنه أسود أو لسواده ، يعتق وحده ، وقيل : لأن التعبد منع منه .

                                                                                                          وقال القاضي وأبو الخطاب : لأن علته يجوز أن ينتفض ، وقوله لا يطرد ، وقيل : لأنه لا يشبه التشريع ، وكذا أعتقته لأنه أسود أو لسواده ، لجواز المناقضة عليه والبداء ، واختار في التمهيد : له عتق كل أسود ، قال : لأن الأصل عدم البدء في حقه ، ثم النسخ يجوز أن يرد من البارئ في الحكم المنصوص عليه ، كما يرد البدء من الآدمي ، ثم لم يمنع جواز ورود النسخ من القياس ، كذا جواز البدء في حق الموكل ، وجزم به فيه إن قال : إذا أمرتك بشيء لعلة فقس عليه كل شيء من مالي وجدت فيه تلك العلة ، ثم قال : أعتق عبدي فلانا لأنه أسود ، فعتق كل عبد له أسود ، صح ذلك ، وهو نظير قول صاحب الشرع لأنه تعبدنا بالقياس .

                                                                                                          وقال في العدة : إن المخالف احتج بأن أهل اللغة لا تستعمل القياس ، فلو قال لوكيله : اشتر لي سكنجبينا فإنه يصلح للصفراء ، لم يصح أن يشتري له رمانا وإن كان يصلح للصفراء ، والجواب أن السكنجبين يختص معاني لا توجد في الرمان ، لذلك لم يجز أن يشتريه ، وقد ورد عن أهل اللغة ما يوجب القول بالقياس ، فإن ابنين لو ضربا أمهما فضرب الأب أحدهما لأنه ضرب أمه ، صلح الرد عليه بأن الآخر ضربها فلم لا تضربه ، وكذلك لو قال : لا تعط فلانا إبرة لئلا يعتدي بها ، لم يصلح أن [ ص: 359 ] يعطيه سكينا ، لأن معناهما واحد ، على أنا نقول بالقياس في الموضع الذي دل الشرع عليه وكلفنا إياه ، وفي تلك المواضع لم يدل الشرع عليه فلم يجب القول به ، فقد أجاب القاضي بوجهين : أولهما كاختيار أبي الخطاب . وهو يدل على أنه لو قال قس عليه كل ما صلح للصفراء جاز .

                                                                                                          ويدل أيضا على أنه إذا لم يعتق غير ما أعتقه مع أنه أسود أن لكل عاقل مناقضته ، ويقول له لم يعتق غيره من السود ، وكذا قاله أبو الخطاب وغيره ، وأما إذا قال أعتقت فلانا لأنه أسود فقيسوا عليه كل أسود ، فذكر في الروضة أنه لا يتعدى العتق غير من أعتقه ، ملزما به للمخالف ، وفيه نظر ، ولعل ظاهر ما ذكر من كلام القاضي وأبي الخطاب خلافه ، وفيه قال القاضي في النص على العلة : واحتج بأن الاعتبار باللفظ دون المعنى ، لأنه لو قال والله لا أكلت السكر لأنه حلو لم يحنث بغيره ، وكذا لفظ الشرع ، وأجاب بجواز المناقضة ، وبأن الشارع أمر بالقياس ، وغيره لم يأمر بذلك ، فلو قال لنا قائل قيسوا كلامي بعضه على بعض ثم قال : والله لا أكلت السكر لأنه حلو ، شركه فيه كل حلو .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية