الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا . . . . . ( 135 ) ) .

قوله تعالى : ( أو نصارى ) : الكلام في " أو " هاهنا كالكلام فيها في قوله : [ ص: 102 ] ( وقالوا لن يدخل الجنة ) [ البقرة : 111 ] ; لأن التقدير : قالت اليهود كونوا هودا ، وقالت النصارى كونوا نصارى . ( ملة إبراهيم ) : تقديره : بل نتبع ملة إبراهيم ، أو قل اتبعوا ملة .

و ( حنيفا ) : حال من إبراهيم ; والحال من المضاف إليه ضعيف في القياس ، قليل في الاستعمال ، وسبب ذلك أن الحال لا بد لها من عامل فيها ، والعامل فيها هو العامل في صاحبها ، ولا يصح أن يعمل المضاف في مثل هذا في الحال .

ووجه قول من نصبه على الحال أنه قدر العامل معنى اللام ، أو معنى الإضافة ، وهو المصاحبة والملاصقة ، وقيل : حسن جعل حنيفا حالا ; لأن المعنى نتبع إبراهيم حنيفا وهذا جيد ; لأن الملة هي الدين ; والمتبع إبراهيم ، وقيل : هو منصوب بإضمار أعني .

قال تعالى : ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم . . . . . . . ( 136 ) ) .

قوله تعالى : ( من ربهم ) : الهاء والميم تعود على النبيين خاصة ; فعلى هذا يتعلق من بأوتي الثانية .

وقيل تعود إلى موسى وعيسى أيضا . ويكون ( وما أوتي ) : الثانية تكريرا وهو في المعنى مثل التي في آل عمران ، فعلى هذا يتعلق من بأوتي الأولى .

وموضع من نصب على أنها بالابتداء ، غاية الإيتاء .

ويجوز أن يكون موضعها حالا من العائد المحذوف ، تقديره : وما أوتيه النبيون كائنا من ربهم . ويجوز أن يكون ما أوتي الثانية في موضع رفع بالابتداء ومن ربهم خبره . ( بين أحد ) : أحد هنا هو المستعمل في النفي ; لأن " بين " لا تضاف إلا إلى جمع ، أو إلى واحد معطوف عليه . وقيل أحد هاهنا بمعنى فريق .

قال تعالى : ( فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا . . . ( 137 ) ) .

قوله تعالى : ( بمثل ما آمنتم به ) : الباء زائدة . ومثل صفة لمصدر محذوف تقديره : إيمانا مثل إيمانكم ، والهاء ترجع إلى الله ، أو القرآن ، أومحمد ، وما مصدرية ، ونظير زيادة الباء هنا زيادتها في قوله : ( جزاء سيئة بمثلها ) وقيل مثل هنا زائدة وما بمعنى الذي وقرأ ابن عباس : بما آمنتم به بإسقاط مثل .

قال تعالى : ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ( 138 ) ) .

قوله تعالى : ( صبغة الله ) : الصبغة هنا : الدين ، وانتصابه بفعل محذوف ; أي اتبعوا دين الله .

وقيل هو إغراء ; أي عليكم دين الله . وقيل هو بدل من ملة إبراهيم . ( ومن أحسن ) : مبتدأ أو خبر . و ( من الله ) : في موضع نصب . و ( صبغة ) : تمييز .

[ ص: 103 ] قال تعالى : ( أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون ( 140 ) ) .

قوله تعالى : ( أم يقولون ) يقرأ بالياء ردا على قوله : ( فسيكفيكهم الله ) [ البقرة : 137 ] وبالتاء ردا على قوله : ( أتحاجوننا ) [ البقرة : 139 ] .

( هودا أو نصارى ) : أو هاهنا مثلها في قوله : ( وقالوا كونوا هودا أو نصارى ) [ البقرة : 135 ] أي قالت اليهود : كان هؤلاء الأنبياء هودا ، وقالت النصارى : كانوا نصارى . ( أم الله ) : مبتدأ والخبر محذوف ; أي أم الله أعلم ، وأم هاهنا المتصلة ; أي أيكم أعلم ، وهو استفهام بمعنى الإنكار . ( كتم شهادة ) : كتم يتعدى إلى مفعولين ، وقد حذف الأول منهما هنا تقديره : كتم الناس شهادة فعلى هذا يكون " عنده " صفة لشهادة ، وكذلك " من الله " ولا يجوز أن تعلق من بشهادة ; لئلا يفصل بين الصلة والموصول بالصفة ، ويجوز أن يجعل عنده ، ومن الله ، صفتين لشهادة ، ويجوز أن تجعل من ظرفا للعامل في الظرف الأول ، وأن تجعلها حالا من الضمير في عنده .

قال تعالى : ( سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها . . . . . . . ( 142 ) ) .

قوله تعالى : ( السفهاء من الناس ) : من الناس في موضع نصب على الحال ، والعامل فيه يقول . ( ما ولاهم ) : ابتداء وخبر في موضع نصب بالقول .

( كانوا عليها ) : فيه حذف مضاف ; تقديره : على توجهها أو على اعتقادها .

التالي السابق


الخدمات العلمية