الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ( 64 ) ) .

قوله تعالى : ( سواء ) : الجمهور على الجر ، وهو صفة لكلمة ، ويقرأ " سواء " بالنصب على المصدر ، ويقرأ " كلمة " بكسر الكاف وإسكان اللام على التخفيف والنقل مثل فخذ وكبد . ( بيننا وبينكم ) : ظرف لسواء ; أي لتستوي الكلمة بيننا ، ولم تؤنث سواء ، وهو صفة مؤنث ; لأنه مصدر وصف به ، فأما قوله : ( ألا نعبد ) : ففي موضعه وجهان : أحدهما : جر بدلا من سواء ، أو من كلمة تقديره : تعالوا إلى ترك عبادة غير الله . والثاني : هو رفع ، تقديره : هي أن لا نعبد إلا الله ، وأن هي المصدرية ، وقيل : تم الكلام على سواء ، ثم استأنف فقال : بيننا وبينكم أن لا نعبد ; أي بيننا وبينكم التوحيد ، فعلى هذا يجوز أن يكون ( ألا نعبد ) مبتدأ ، والظرف خبره ، والجملة صفة لكلمة ، ويجوز أن يرتفع ألا نعبد بالظرف . ( فإن تولوا ) : هو ماض ، ولا يجوز أن يكون التقدير : يتولوا لفساد المعنى ; لأن قوله : فقولوا اشهدوا خطاب للمؤمنين ، ويتولوا للمشركين ، وعند ذلك لا يبقى في الكلام جواب الشرط ; والتقدير : فقولوا لهم .

قال تعالى : ( يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ( 65 ) ) .

[ ص: 218 ] قوله تعالى : ( لم تحاجون ) : الأصل لما ، فحذفت الألف لما ذكرنا في قوله : ( فلم تقتلون ) [ البقرة : 91 ] واللام متعلقة بتحاجون . ( إلا من بعده ) : من يتعلق بأنزلت ; والتقدير : من بعد موته .

قال تعالى : ( ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ( 66 ) ) .

قوله تعالى : ( ها أنتم ) : ها للتنبيه . وقيل : هي بدل من همزة الاستفهام .

ويقرأ بتحقيق الهمزة والمد ، وبتليين الهمزة والمد ، وبالقصر والهمزة ، وقد ذكرنا إعراب هذا الكلام في قوله : ( ثم أنتم هؤلاء تقتلون ) [ البقرة : 85 ] ( فيما ) : هي بمعنى الذي ، أو نكرة موصوفة . و ( علم ) : مبتدأ ، ولكم خبره ، وبه في موضع نصب على الحال ; لأنه صفة لعلم في الأصل قدمت عليه ، ولا يجوز أن تتعلق الباء بعلم ; إذ فيه تقديم الصلة على الموصول ، فإن علقتها بمحذوف يفسره المصدر جاز ، وهو الذي يسمى تبيينا .

قال تعالى : ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ( 68 ) ) .

قوله تعالى : ( بإبراهيم ) : الباء تتعلق بأولى ، وخبر إن " للذين اتبعوه " وأولى أفعل من ولي يلي ، وألفه منقلبة عن ياء ; لأن فاءه واو ، فلا تكون لامه واوا ; إذ ليس في الكلام ما فاؤه ولامه واوان إلا واو . ( وهذا النبي ) : معطوف على خبر إن .

ويقرأ " النبي " بالنصب ; أي واتبعوا هذا النبي .

قال تعالى : ( وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ( 72 ) ) .

قوله تعالى : ( وجه النهار ) : وجه ظرف لآمنوا ، بدليل قوله " واكفروا آخره " .

ويجوز أن يكون ظرفا لأنزل .

قال تعالى : ( ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ( 73 ) ) [ ص: 219 ] .

قوله تعالى : ( إلا لمن تبع ) : فيه وجهان : أحدهما : أنه استثناء مما قبله ، والتقدير : ولا تقروا إلا لمن تبع ، فعلى هذا اللام غير زائدة . ويجوز أن تكون زائدة ، ويكون محمولا على المعنى ; أي اجحدوا كل أحد إلا من تبع .

والثاني : أن النية التأخير ، والتقدير : ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم ، فاللام على هذا زائدة ، ومن في موضع نصب على الاستثناء من أحد ، فأما قوله : ( قل إن الهدى ) : فمعترض بين الكلامين لأنه مشدد ، وهذا الوجه بعيد ; لأن فيه تقديم المستثنى على المستثنى منه ، وعلى العامل فيه ، وتقديم ما في صلة أن عليها ، فعلى هذا موضع " أن يؤتى " ثلاثة أوجه : أحدها : جر ، تقديره : ولا تؤمنوا بأن يؤتى أحد . والثاني : أن يكون نصبا على تقدير حذف حرف الجر . والثالث : أن يكون مفعولا من أجله ; تقديره : ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم مخافة أن يؤتى أحد . وقيل : أن يؤتى متصل بقوله : " قل إن الهدى هدى الله " ، والتقدير : أن لا يؤتى ; أي هو أن لا يؤتى ، فهو في موضع رفع . ( أو يحاجوكم ) : معطوف على يؤتى ، وجمع الضمير لأحد ; لأنه في مذهب الجمع ، كما قال ( لا نفرق بين أحد منهم ) [ البقرة : 136 ] ويقرأ أن يؤتى على الاستئناف ، وموضعه رفع على أنه مبتدأ ، تقديره : إتيان أحد مثل ما أوتيتم ، يمكن أو يصدق . ويجوز أن يكون في موضع نصب بفعل محذوف ، تقديره : أتصدقون أن يؤتى ، أو أتشيعون . ويقرأ شاذا أن يؤتى على تسمية الفاعل ، وأحد فاعله ، والمفعول محذوف ; أي أن يؤتي أحد أحدا .

( يؤتيه من يشاء ) : يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف ; أي هو يؤتيه ، وأن يكون خبرا ثانيا .

التالي السابق


الخدمات العلمية