الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ( 188 ) ) .

قوله تعالى : ( بينكم ) : يجوز أن يكون ظرفا لتأكلوا لأن المعنى لا تتناقلوها فيما بينكم .

ويجوز أن يكون حالا من الأموال ; أي كائنة بينكم ، أو دائرة بينكم ، وهو في المعنى كقوله : ( إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم ) [ البقرة : 282 ] .

و ( بالباطل ) : في موضع نصب بتأكلوا ; أي لا تأخذوها بالسبب الباطل ، ويجوز أن يكون حالا من الأموال أيضا ، وأن يكون حالا من الفاعل في تأكلوا ; أي مبطلين . ( وتدلوا ) : مجزوم عطفا على تأكلوا . واللام في ( لتأكلوا ) : متعلقة بتدلوا . ويجوز أن يكون تدلوا منصوبا بمعنى الجمع ; أي لا تجمعوا بين أن تأكلوا وتدلوا و ( بالإثم ) : مثل بالباطل .

قال تعالى : ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون ( 189 ) ) .

قوله تعالى : ( عن الأهلة ) : الجمهور على تحريك النون ، وإثبات الهمزة بعد اللام على الأصل ، ويقرأ في الشذوذ بإدغام النون في اللام ، وحذف الهمزة ، والأصل الأهلة [ ص: 129 ] فألقيت حركة الهمزة على اللام فتحركت ، ثم حذفت همزة الوصل لتحرك اللام ، فصارت لهلة فلما لقيت النون اللام قلبت النون لاما ، وأدغمت في اللام الأخرى ومثله لحمر في الأحمر ، وهي لغة . ( والحج ) : معطوف على الناس .

ولا اختلاف في رفع " البر " هنا ; لأن خبر ليس " بأن تأتوا " ولزم ذلك بدخول الباء فيه ، وليس كذلك : ( ليس البر أن تولوا ) إذ لم يقترن بأحدهما ما يعينه اسما أو خبرا .

و ( البيوت ) : يقرأ بضم الباء ، وهو الأصل في الجمع على فعول ، والمعتل كالصحيح ، وإنما ضم أول هذا الجمع ليشاكل ضمة الثاني ، والواو بعده .

ويقرأ بكسر الباء ; لأن بعده ياء ، والكسرة من جنس الياء ، ولا يحتفل بالخروج من كسر إلى ضم ; لأن الضمة هنا في الياء ، والياء مقدرة بكسرتين ، فكانت الكسرة في الباء كأنها وليت كسرة ، هكذا الخلاف في الغيوب والجيوب ، والشيوخ ومن هاهنا جاز في التصغير الضم والكسر ، فيقال : بييت وبييت .

( ولكن البر من اتقى ) : مثل " ولكن البر من آمن " وقد تقدم .

قال تعالى : ( ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين ( 191 ) ) .

يقرأ ثلاثتها بالألف ، وهو نهي عن مقدمات القتل ; فيدل على النهي عن القتل من طريق الأولى ، وهو مشاكل لقوله " وقاتلوا في سبيل الله " ويقرأ ثلاثتها بغير ألف وهو منع من نفس القتل ، وهو مشاكل لقوله " واقتلوهم حيث ثقفتموهم " ولقوله : " فاقتلوهم " والتقدير : في قوله فإن قاتلوكم ; أي فيه .

( كذلك ) : مبتدأ . و ( جزاء ) : خبره ، والجزاء مصدر مضاف إلى المفعول .

ويجوز أن يكون في معنى المنصوب ، ويكون التقدير : كذلك جزاء الله الكافرين .

ويجوز أن يكون في معنى المرفوع على ما لم يسم فاعله . والتقدير : كذلك يجزى الكافرون وهكذا في كل مصدر يشاكل هذا .

قال تعالى : ( فإن الله غفور رحيم ) ; أي لهم ( 192 ) ) .

قال تعالى : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ( 193 ) ) .

قوله تعالى : ( حتى لا تكون ) : يجوز أن تكون بمعنى كي .

ويجوز أن تكون بمعنى إلى أن ، وكان هنا تامة . وقوله : ( ويكون الدين ) : يجوز أن تكون كان تامة ، وأن تكون ناقصة ويكون " لله " الخبر . ( إلا على الظالمين ) : في [ ص: 130 ] موضع رفع خبر " لا " ودخلت إلا للمعنى : ففي الإثبات تقول العدوان على الظالمين ، فإذا جئت بالنفي ، وإلا بقي الإعراب على ما كان عليه .

قال تعالى : ( الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين ( 194 ) ) .

قوله تعالى : ( فمن اعتدى عليكم ) : يجوز أن تكون " من " شرطية ، وأن تكون بمعنى الذي . بمثل الباء غير زائدة والتقدير : بعقوبة مماثلة لعدوانهم . ويجوز أن تكون زائدة ، وتكون مثل صفة لمصدر محذوف ; أي عدوانا مثل عدوانهم .

قال تعالى : ( وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ( 195 ) ) .

قوله تعالى : ( بأيديكم ) : الباء زائدة ، يقال ألقى يده وألقى بيده .

وقال المبرد : ليست زائدة بل هي متعلقة بالفعل كمررت بزيد : والتهلكة تفعلة من الهلاك .

قال تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب ( 196 ) ) .

قوله تعالى : ( والعمرة لله ) : الجمهور على النصب ، واللام متعلقة بأتموا ، وهي لام المفعول له ، ويجوز أن تكون في موضع الحال تقديره : كائنين لله . ويقرأ بالرفع على الابتداء والخبر . ( فما استيسر ) : ما في موضع رفع بالابتداء ، والخبر محذوف ; أي فعليكم .

ويجوز أن تكون خبرا والمبتدأ محذوف ; أي فالواجب ما استيسر ، ويجوز أن تكون : ما في موضع نصب تقديره : فأهدوا ، أو فأدوا ، واستيسر بمعنى تيسر ، والسين ليست للاستدعاء هنا .

و ( الهدي ) : بتخفيف الياء مصدر . في الأصل وهو بمعنى المهدى . ويقرأ بتشديد الياء ; وهو جمع هدية . وقيل : هو فعيل بمعنى مفعول . و ( المحل ) : يجوز أن يكون مكانا وأن يكون زمانا .

[ ص: 131 ] ( ففدية ) : في الكلام حذف ، تقديره : فحلق فعليه فدية .

( من صيام ) في موضع رفع صفة للفدية . و ( أو ) : هاهنا للتخيير على أصلها .

والنسك في الأصل مصدر بمعنى المفعول ; لأنه من نسك ينسك ، والمراد به هاهنا المنسوك . ويجوز أن يكون اسما لا مصدرا ، ويجوز تسكين السين .

( فإذا أمنتم ) : إذا في موضع نصب . ( فمن تمتع ) : شرط في موضع مبتدأ .

( فما استيسر ) : جواب فمن ، ومن جوابها جواب إذا والعامل في إذا معنى الاستقرار ; لأن التقدير : فعليه ما استيسر ; أي يستقر عليه الهدي في ذلك الوقت .

ويجوز أن تكون من بمعنى الذي ، ودخلت الفاء في خبرها إيذانا بأن ما بعدها مستحق بالتمتع . ( فمن لم يجد ) : من في موضع رفع بالابتداء .

ويجوز أن تكون شرطا ، وأن تكون بمعنى الذي والتقدير : فعليه صيام .

وقرئ : صياما بالنصب على تقدير فليصم ، والمصدر مضاف إلى ظرفه في المعنى ، وهو في اللفظ مفعول به على السعة .

( وسبعة ) : معطوفة على ثلاثة ، وقرئ : وسبعة بالنصب تقديره : ولتصوموا سبعة ، أو وصوموا سبعة .

( ذلك لمن ) : اللام على أصلها ; أي ذلك جائز لمن .

وقيل : اللام بمعنى على ; أي الهدي على من لم يكن أهله كقوله : ( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) [ الرعد : 25 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية