الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين ( 166 ) وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون ( 167 ) ) .

قوله تعالى : ( وما أصابكم ) : ما بمعنى الذي ، وهو مبتدأ ، والخبر : " فبإذن الله " ; أي واقع بإذن الله . ( وليعلم ) : اللام متعلقة بمحذوف ; أي وليعلم الله أصابكم هذا ، ويجوز أن يكون معطوفا على معنى فبإذن الله تقديره : فبإذن الله ولأن يعلم الله . ( تعالوا قاتلوا ) : إنما لم يأت بحرف العطف ; لأنه أراد أن يجعل كل واحدة من الجملتين مقصودة بنفسها ، ويجوز أن يقال : إن المقصود هو الأمر بالقتال ، وتعالوا ذكر ما لو سكت عنه ، لكان في الكلام دليل عليه . وقيل : الأمر الثاني حال . ( هم للكفر ) : اللام في قوله : " للكفر " و " للإيمان " متعلقة بأقرب ، وجاز أن يعمل أقرب فيهما ; لأنهما يشبهان الظرف ، وكما عمل أطيب في قولهم هذا بسرا أطيب منه رطبا في الظرفين المقدرين ; لأن أفعل يدل على معنيين على أصل الفعل وزيادته ، فيعمل في كل واحد منهما بمعنى غير الآخر ; فتقديره : يزيد قربهم إلى الكفر على قربهم إلى الإيمان ، واللام هنا على بابها . وقيل : هي بمعنى إلى . ( يقولون ) : مستأنف ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في أقرب ; أي قربوا إلى الكفر قائلين .

قال تعالى : ( الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ( 168 ) ) .

قوله تعالى : ( الذين قالوا ) : يجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار أعني ، أو صفة للذين نافقوا ، أو بدلا منه وفي موضع جر بدلا من المجرور في أفواههم أو قلوبهم ، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر " قل فادرءوا " والتقدير : قل لهم . ( وقعدوا ) : ويجوز أن يكون معطوفا على الصلة معترضا بين قالوا ومعمولها ، وهو " لو أطاعونا " وأن يكون حالا ، وقد مرادة .

[ ص: 244 ] قال تعالى : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ( 169 ) ) .

قوله تعالى : ( بل أحياء ) : أي بل هم أحياء . ويقرأ بالنصب عطفا على ( أمواتا ) ، كما تقول : ظننت زيدا قائما ; بل قاعدا . وقيل : أضمر الفعل ، تقديره : بل احسبوهم أحياء ، وحذف ذلك لتقدم ما يدل عليه . و ( عند ربهم ) : صفة لأحياء ، ويجوز أن يكون ظرفا لأحياء ; لأن المعنى يحيون عند الله . ويجوز أن يكون ظرفا لـ " يرزقون " ، ويرزقون صفة لأحياء . ويجوز أن يكون حالا من الضمير في أحياء ; أي يحيون مرزوقين . ويجوز أن يكون حالا من الضمير في الظرف إذا جعلته صفة .

قال تعالى : ( فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 170 ) ) .

قوله تعالى : ( فرحين ) يجوز أن يكون حالا من الضمير في يرزقون . ويجوز أن يكون صفة لأحياء ; إذا نصب . ويجوز أن ينتصب على المدح . ويجوز أن يكون من الضمير في أحياء ، أو من الضمير في الظرف . ( من فضله ) : حال من العائد المحذوف في الظرف ; تقديره : بما آتاهموه كائنا من فضله .

و ( يستبشرون ) : معطوف على فرحين ; لأن اسم الفاعل هنا يشبه الفعل المضارع . ويجوز أن يكون التقدير : وهم يستبشرون ، فتكون الجملة حالا من الضمير في فرحين ، أو من ضمير المفعول في آتاهم . ( من خلفهم ) : متعلق بيلحقوا ، ويجوز أن يكون حالا تقديره : متخلفين عنهم . ( ألا خوف عليهم ) : أي بأن لا خوف عليهم ، فأن مصدرية ، وموضع الجملة بدل من الذين بدل الاشتمال ; أي ويستبشرون بسلامة الذين لم يلحقوا بهم . ويجوز أن يكون التقدير : لأنهم لا خوف عليهم فيكون مفعولا من أجله .

قال تعالى : ( يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ( 171 ) الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ( 172 ) ) .

قوله تعالى : ( ويستبشرون ) : هو مستأنف مكرر للتوكيد . ( وأن الله ) : بالفتح عطفا على بنعمة من الله ; أي وبأن الله وبالكسر على الاستئناف .

قوله تعالى : ( الذين استجابوا ) : في موضع جر صفة للمؤمنين أو نصب على إضمار أعني ، أو رفع على إضمار " هم " ، أو مبتدأ وخبره " للذين أحسنوا منهم واتقوا " ومنهم حال من الضمير في أحسنوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية