الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون ( 162 ) ) .

قوله تعالى : ( خالدين فيها ) : هو حال من الهاء والميم في عليهم .

( لا يخفف ) : حال من الضمير في خالدين ، وليست حالا ثانية من الهاء والميم لما ذكرنا في غير موضع ; لأن الاسم الواحد لا ينتصب عنه حالان ، ويجوز أن يكون مستأنفا لا موضع له .

قال تعالى : ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ( 163 ) ) .

قوله تعالى : ( إله واحد ) : إله خبر المبتدأ ، وواحد صفة له .

والغرض هنا هو الصفة ، إذ لو قال وإلهكم واحد لكان هو المقصود ، إلا أن في [ ص: 111 ] ذكره زيادة توكيد ، وهذا يشبه الحال الموطئة ، كقولك مررت بزيد رجلا صالحا ، وكقولك في الخبر زيد شخص صالح . ( إلا هو ) : المستثنى في موضع رفع بدلا من موضع لا إله لأن موضع لا وما عملت فيه رفع بالابتداء ، ولو كان موضع المستثنى نصبا لكان إلا إياه . و ( الرحمن ) : بدل من هو . أو خبر مبتدأ ، ولا يجوز أن يكون صفة لهو ; لأن الضمير لا يوصف ولا يكون خبرا لهو ; لأن المستثنى هنا ليس بجملة .

قال تعالى : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ( 164 ) ) .

قوله تعالى : ( والفلك ) : يكون واحدا وجمعا بلفظ واحد ، فمن الجمع هذا الموضع وقوله : ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ) [ يونس : 22 ] ومن المفرد : ( الفلك المشحون ) [ الشعراء : 119 ] .

ومذهب المحققين أن ضمة الفاء فيه إذا كان جمعا غير الضمة التي في الواحد ، ودليل ذلك أن ضمة الجمع تكون فيما واحده غير مضموم ; نحو : أسد ، وكتب ، والواحد أسد وكتاب ، ونظير ذلك الضمة في صاد منصور ، إذا رخمته على لغة من قال يا حار ، فإنها ضمة حادثة ، وعلى من قال يا حار تكون الضمة في يا منص هي الضمة في منصور . ( من السماء من ماء ) : من الأولى لابتداء الغاية ، والثانية لبيان الجنس ، إذ كان ينزل من السماء ماء وغيره . ( وبث فيها من كل دابة ) : مفعول بث محذوف تقديره : وبث فيها دواب من كل دابة ، ويجوز على مذهب الأخفش أن تكون من زائدة ; لأنه يجيزه في الواجب .

( وتصريف الرياح ) : هو مصدر مضاف إلى المفعول ، ويجوز أن يكون أضيف إلى الفاعل ، ويكون المفعول محذوفا ، والتقدير : وتصريف الرياح السحاب ; لأن الرياح تسوق السحاب وتصرفه ، ويقرأ ( الرياح ) بالجمع ; لاختلاف أنواع الريح ، وبالإفراد على الجنس ، أو على إقامة المفرد مقام الجمع . وياء ( الريح ) مبدلة من واو ; لأنه من راح يروح ، وروحته ، والجمع أرواح .

[ ص: 112 ] وأما الرياح فالياء فيه مبدلة من واو ; لأنه جمع أوله مكسور وبعد حرف العلة فيه ألف زائدة ، والواحد عينه ساكنة ، فهو مثل سوط وسياط ، إلا أن واو الريح قلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها .

( بين السماء ) : يجوز أن يكون ظرفا للمسخر ، وأن يكون حالا من الضمير في المسخر ، وليس في هذه الآية وقف تام ; لأن اسم إن التي في أولها خاتمتها .

التالي السابق


الخدمات العلمية