الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون ) ( ( 41 ) ) .

[ ص: 53 ] قوله : ( مصدقا ) : حال مؤكدة من الهاء المحذوفة في أنزلت .

و ( معكم ) : منصوب على الظرف ، والعامل فيه الاستقرار .

( أول ) : هي أفعل ، وفاؤها وعينها واوان عند سيبويه ، ولم ينصرف منها فعل لاعتلال الفاء والعين ، وتأنيثها أولى ، وأصلها و " ولى " فأبدلت الواو همزة لانضمامها ضما لازما ، ولم تخرج على الأصل كما خرج وقتت ووجوه ، كراهية اجتماع الواوين .

وقال بعض الكوفيين : أصل الكلمة من وأل يئل إذا نجا ، فأصلها أوأل ، ثم خففت الهمزة بأن أبدلت واوا ، ثم أدغمت الأولى فيها ، وهذا ليس بقياس ، بل القياس في تخفيف مثل هذه الهمزة أن تلقى حركتها على الساكن قبلها وتحذف .

وقال بعضهم : من آل يئول ; فأصل الكلمة أول ، ثم أخرت الهمزة الثانية فجعلت بعد الواو ثم عمل فيها ما عمل في الوجه الذي قبله ، فوزنه الآن أعفل .

( كافر ) : لفظه واحد ، وهو في معنى الجمع ; أي أول الكفار كما يقال هو أحسن رجل وقيل التقدير أول فريق كافر .

قال تعالى : ( ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ) ( ( 42 ) ) .

قوله تعالى : ( وتكتموا الحق ) : هو مجزوم بالعطف على ولا تلبسوا ، ويجوز أن يكون نصبا على الجواب بالواو ; أي لا تجمعوا بينهما ; كقولك لا تأكل السمك وتشرب اللبن . ( وأنتم تعلمون ) : في موضع نصب على الحال ، والعامل لا تلبسوا وتكتموا .

قال تعالى : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين ( 43 ) ) .

قوله تعالى : ( وأقيموا الصلاة ) : أصل أقيموا أقوموا ، فعمل فيه ما ذكرناه في قوله : ويقيمون الصلاة في أول السورة : ( وآتوا الزكاة ) : أصله : آتيوا فاستثقلت الضمة على الياء فسكنت وحذفت لالتقاء الساكنين ثم حركت التاء بحركة الياء المحذوفة ، وقيل ضمت تبعا للواو كما ضمت في اضربوا ونحوه ، وألف الزكاة منقلبة عن واو لقولهم زكا الشيء يزكو ، وقالوا في الجمع زكوات .

( مع الراكعين ) : ظرف .

قال تعالى : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) ( ( 44 ) ) .

قوله تعالى : ( وتنسون ) : أصله تنسيون ، ثم عمل فيه ما ذكرناه في قوله تعالى : ( اشتروا الضلالة ) [ البقرة : 16 ] ( أفلا تعقلون ) : استفهام في معنى التوبيخ ، ولا موضع له .

قال تعالى : ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) ( ( 45 ) ) .

[ ص: 54 ] قوله تعالى : ( واستعينوا ) : أصله استعونوا ، وقد ذكر في الفاتحة . وأنها الضمير للصلاة ، وقيل للاستعانة ; لأن استعينوا يدل عليها ، وقيل على القبلة لدلالة الصلاة عليها ، وكان التحول إلى الكعبة شديدا على اليهود : إلا على الخاشعين في موضع نصب بكبيرة ، وإلا دخلت للمعنى ولم تعمل ; لأنه ليس قبلها ما يتعلق بكبيرة ليستثنى منه فهو كقولك هو كبير على زيد .

قال تعالى : ( الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون ) ( ( 46 ) ) .

قوله تعالى : ( الذين يظنون ) : صفة للخاشعين ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار أعني ، ورفع بإضمار " هم " .

( أنهم ) : أن واسمها وخبرها ساد مسد المفعولين ، لتضمنه ما يتعلق به الظن ، وهو اللقاء ، وذكر من أسند إليه اللقاء ، وقال الأخفش : أن وما عملت فيه مفعول واحد ، وهو مصدر ، والمفعول الثاني محذوف تقديره : يظنون لقاء الله واقعا .

( ملاقو ) : أصله ملاقيوا ثم عمل فيه ما ذكرنا في غير موضع ، وحذفت النون تخفيفا ; لأنه نكرة ، إذا كان مستقبلا ، ولما حذفها أضاف . ( إليه ) : الهاء ترجع إلى الله ، وقيل إلى اللقاء الذي دل عليه ملاقوا .

قال تعالى : ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين ( 47 ) ) .

قوله تعالى : ( وأني فضلتكم ) : في موضع نصب ، تقديره : واذكروا تفضيلي إياكم .

قال تعالى : ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون ( 48 ) ) .

قوله تعالى : ( واتقوا يوما ) : يوما هنا مفعول به ; لأن الأمر بالتقوى لا يقع في يوم القيامة ، والتقدير : واتقوا عذاب يوم أو نحو ذلك .

( لا تجزي نفس ) : الجملة في موضع نصب صفة اليوم والعائد محذوف تقديره تجزى فيه ثم حذف الجار والمجرور عند سيبويه ; لأن الظروف يتسع فيها ، ويجوز فيها ما لا يجوز في غيرها ، وقال غيره : تحذف " في " فتصير تجزيه ، فإذا وصل الفعل بنفسه ، حذف المفعول به بعد ذلك . ( عن نفس ) : في موضع نصب بـ ( تجزى ) .

ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال ، على أن يكون التقدير شيئا عن نفس . و ( شيئا ) : هنا في حكم المصدر ; لأنه وقع موقع جزاء وهو كثير في القرآن لأن الجزاء شيء فوضع العام موضع الخاص .

قوله تعالى : ( ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ) : أي فيه ; وكذلك : ( ولا هم ينصرون ) . و ( منها ) : في الموضعين يجوز أن يكون متعلقا بـ ( يقبل ) ويؤخذ ، ويجوز أن يكون صفة لشفاعة وعدل ، فلما قد انتصب على الحال .

[ ص: 55 ] و " يقبل " يقرأ بالتاء لتأنيث الشفاعة وبالياء لأنه غير حقيقي وحسن ذلك للفصل .

التالي السابق


الخدمات العلمية