الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم ) ( 103 ) .

قوله تعالى : ( خذ من أموالهم ) : يجوز أن تكون " من " متعلقة بخذ ، وأن تكون حالا من " صدقة " .

( تطهرهم ) : في موضع نصب صفة لصدقة .

ويجوز أن يكون مستأنفا ، والتاء للخطاب ؛ أي : تطهرهم أنت .

( وتزكيهم ) : التاء للخطاب لا غير لقوله : " بها " ، ويجوز أن يكون " تطهرهم وتزكيهم بها " في موضع نصب صفة لصدقة مع قولنا إن التاء فيهما للخطاب ؛ لأن قوله : " تطهرهم " تقديره : بها ، ودل عليه " بها " الثانية ، وإذا كان فيهما ضمير الصدقة ، جاز أن يكون صفة لها .

[ ص: 490 ] ويجوز أن تكون الجملة حالا من ضمير الفاعل في " خذ " .

قوله تعالى : ( إن صلاتك ) : يقرأ بالإفراد ، والجمع ، وهما ظاهران .

و ( سكن ) : بمعنى مسكون إليها ؛ فلذلك لم يؤنثه ، وهو مثل القبض بمعنى المقبوض .

قال تعالى : ( ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم ) ( 104 ) .

قوله تعالى : ( هو يقبل ) : هو مبتدأ ، ويقبل الخبر ، ولا يجوز أن يكون " هو " فصلا ؛ لأن يقبل ليس بمعرفة ولا قريب منها .

قال تعالى : ( وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم ) ( 106 ) .

قوله تعالى : ( وآخرون مرجون ) : هو معطوف على : " وآخرون اعترفوا " ، ومرجون بالهمزة على الأصل ، وبغير همز ، وقد ذكر أصله في الأعراف .

( إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ) : إما هاهنا : للشك ؛ والشك راجع إلى المخلوق ، وإذا كانت إما للشك جاز أن يليها الاسم ، وجاز أن يليها الفعل ، فإن كانت للتخيير ، ووقع الفعل بعدها ، كانت معه أن ؛ كقوله : ( إما أن تلقي ) [ الأعراف : 115 ] وقد ذكر .

قال تعالى : ( والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون ) ( 107 ) .

قوله تعالى : ( والذين اتخذوا ) : يقرأ بالواو ، وفيه وجهان : أحدهما : هو معطوف على " وآخرون مرجون " ؛ أي : ومنهم الذين اتخذوا . والثاني : هو مبتدأ ، والخبر : ( أفمن أسس بنيانه ) ؛ أي : منهم ، فحذف العائد للعلم به .

ويقرأ بغير واو ؛ وهو مبتدأ ، والخبر ( أفمن أسس ) على ما تقدم .

( ضرارا ) : يجوز أن يكون مفعولا ثانيا لاتخذوا ، وكذلك ما بعده ، وهذه المصادر كلها واقعة موضع اسم الفاعل ؛ أي : مضرا ومفترقا ، ويجوز أن تكون كلها مفعولا له .

[ ص: 491 ] قال تعالى : ( لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ) ( 108 ) .

قوله تعالى : ( لمسجد ) : اللام لام الابتداء ، وقيل : جواب قسم محذوف ، و " أسس " نعت له .

و ( من أول ) : يتعلق‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌ ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌بأسس ؛ والتقدير عند بعض البصريين : من تأسيس أول يوم ؛ لأنهم يرون أن " من " لا تدخل على الزمان ، وإنما ذلك لمنذ ، وهذا ضعيف هاهنا ؛ لأن التأسيس المقدر ليس بمكان حتى تكون " من " لابتداء غايته ، ويدل على جواز دخول " من " على الزمان ما جاء في القرآن من دخولها على " قبل " التي يراد بها الزمان ، وهو كثير في القرآن وغيره .

والخبر : ( أحق أن تقوم ) و " فيه " الأولى تتعلق بـ " تقوم " ، والتاء لخطاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

( فيه رجال ) : فيه ثلاثة أوجه : أحدها : هو صفة لمسجد جاءت بعد الخبر . والثاني : أن الجملة حال من الهاء في " فيه " الأولى ، والعامل فيه " تقوم " . والثالث : هي مستأنفة .

التالي السابق


الخدمات العلمية