الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) ( 29 ) .

قوله تعالى : ( إلا أن تكون تجارة ) : الاستثناء منقطع ليس من جنس الأول . وقيل : هو متصل ؛ والتقدير : لا تأكلوها بسبب إلا أن تكون تجارة ؛ وهذا ضعيف ؛ لأنه قال بالباطل ، والتجارة ليست من جنس الباطل .

وفي الكلام حذف مضاف ؛ أي : إلا في حال كونها تجارة ، أو في وقت كونها تجارة ، وتجارة بالرفع على أن كان تامة ، وبالنصب على أنها الناقصة ؛ التقدير : إلا أن تكون المعاملة أو التجارة تجارة . وقيل : تقديره : إلا أن تكون الأموال تجارة . ( عن تراض ) : في موضع صفة " تجارة " . ( ومنكم ) : صفة تراض .

قال تعالى : ( ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا ) ( 30 ) .

قوله تعالى : ( ومن يفعل ) : " من " في موضع رفع بالابتداء ، والخبر ( فسوف نصليه ) .

و ( عدوانا وظلما ) : مصدران في موضع الحال ، أو مفعول من أجله ، والجمهور على ضم النون من نصليه ، ويقرأ بفتحها ، وهما لغتان ، يقال أصليته النار وصليته .

قال تعالى : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ) ( 31 ) .

قوله تعالى : ( مدخلا ) : يقرأ بفتح الميم ، وهو مصدر دخل والتقدير : وندخله فيدخل مدخلا ؛ أي : دخولا ، ومفعل إذا وقع مصدرا كان مصدر فعل فأما أفعل فمصدره مفعل بضم الميم كما ضمت الهمزة . وقيل : مدخل هنا المفتوح الميم مكان فيكون مفعولا به مثل أدخلته بيتا .

قال تعالى : ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما ) ( 32 ) .

قوله تعالى : ( ما فضل الله ) : " ما " بمعنى الذي ، أو نكرة موصوفة ، والعائد الهاء في " به " والمفعول " بعضكم " .

[ ص: 273 ] " واسألوا الله " يقرأ سلوا بغير همزة ، ( واسألوا ) بالهمزة ، وقد ذكر في قوله : ( سل بني إسرائيل ) ، ومفعول اسألوا محذوف ؛ أي : شيئا : " من فضله " .

قال تعالى : ( ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا ) ( 33 ) .

قوله تعالى : ( ولكل جعلنا ) : المضاف إليه محذوف ، وفيه وجهان : أحدهما : تقديره ولكل أحد جعلنا موالي يرثونه . والثاني : ولكل مال ، والمفعول الأول لجعل " موالي " . والثاني : لكل ، والتقدير : وجعلنا وراثا لكل ميت ، أو لكل مال . ( مما ترك ) : فيه وجهان : أحدهما : هو صفة مال المحذوف ؛ أي : من مال تركه " الوالدان " . والثاني : هو يتعلق بفعل محذوف دل عليه الموالي ؛ تقديره : يرثون ما ترك . وقيل : " ما " بمعنى من ؛ أي : لكل أحد ممن ترك الوالدان . ( والذين عقدت ) : في موضعها ثلاثة أوجه : أحدها : هو معطوف على موالي ؛ أي : وجعلنا الذين عاقدت وراثا ، وكان ذلك ونسخ ، فيكون قوله " فآتوهم نصيبهم " توكيدا ؛ والثاني : موضعه نصب بفعل محذوف فسره المذكور ؛ أي : وآتوا الذين عاقدت . والثالث : هو رفع بالابتداء ، و " فآتوهم " الخبر . ويقرأ عاقدت بالألف والمفعول محذوف ؛ أي : عاقدتهم ، ويقرأ بغير ألف والمفعول محذوف أيضا هو والعائد تقديره : عقدت حلفهم أيمانكم . وقيل : التقدير : عقدت حلفهم ذوو أيمانكم فحذف المضاف ؛ لأن العاقد لليمين الحالفون لا الأيمان نفسها .

قال تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا ) ( 34 ) .

قوله تعالى : ( قوامون على النساء ) : " على " متعلقة بقوامون . و ( بما ) : متعلقة به أيضا ، ولما كان الحرفان بمعنيين ، جاز تعلقهما بشيء واحد ؛ فـ " على " على هذا لها معنى غير معنى الباء . ويجوز أن تكون الباء في موضع الحال ، فتتعلق بمحذوف تقديره : مستحقين [ ص: 274 ] بتفضيل الله إياهم ؛ وصاحب الحال الضمير في قوامون ، وما مصدرية . فأما " ما " في قوله " وبما أنفقوا " فيجوز أن تكون مصدرية ، فتتعلق من بأنفقوا ، ولا حذف في الكلام ، ويجوز أن تكون بمعنى الذي ، والعائد محذوف ؛ أي : وبالذي أنفقوه ؛ فعلى هذا يكون " من أموالهم " حالا . ( فالصالحات ) : مبتدأ . " قانتات حافظات " خبران عنه .

وقرئ : " فالصوالح قوانت حوافظ " وهو جمع تكثير دل على الكثرة ، وجمع التصحيح لا يدل على الكثرة بوضعه ، وقد استعمل فيها كقوله تعالى : ( وهم في الغرفات آمنون ) [ سبأ : 37 ] . ( بما حفظ الله ) : في " ما " ثلاثة أوجه " بمعنى الذي ، ونكرة موصوفة ، والعائد محذوف على الوجهين ، ومصدرية . وقرئ : بما حفظ الله ، بنصب اسم الله ، وما على هذه القراءة بمعنى الذي ، أو نكرة ، والمضاف محذوف ؛ والتقدير : بما حفظ أمر الله ، أو دين الله ، وقال قوم هي مصدرية ، والتقدير : حفظهن الله ، وهذا خطأ ؛ لأنه إذا كان كذلك خلا الفعل عن ضمير الفاعل ؛ لأن الفاعل هنا جمع المؤنث ، وذلك يظهر ضميره فكان يجب أن يكون بما حفظهن الله ، وقد صوب هذا القول ، وجعل الفاعل فيه للجنس ، وهو مفرد مذكر فلا يظهر له ضمير . ( واللاتي تخافون ) : مثل قوله ( واللاتي يأتين الفاحشة ) [ النساء : 15 ] ومثل : ( واللذان يأتيانها ) [ النساء : 16 ] وقد ذكرا . ( واهجروهن في المضاجع ) : في : " في " وجهان : أحدهما : هي ظرف للهجران ؛ أي : اهجروهن في مواضع الاضطجاع ؛ أي : اتركوا مضاجعهن دون ترك مكالمتهن . الثاني : هي بمعنى السبب ؛ أي : واهجروهن بسبب المضاجع ، كما تقول في هذه الجناية عقوبة . ( فلا تبغوا عليهن ) : في " تبغوا " وجهان : أحدهما : هو من البغي الذي هو الظلم ؛ فعلى هذا هو غير متعد . و ( سبيلا ) : على هذا منصوب على تقدير حذف حرف الجر ؛ أي : بسبيل ما . والثاني : هو من قولك بغيت الأمر ؛ أي : طلبته ؛ فعلى هذا يكون متعديا و " سبيلا " مفعوله ، وعليهن من نعت السبيل ؛ فيكون حالا لتقدمه عليه .

[ ص: 275 ] قال تعالى : ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا ) ( 35 ) .

قوله تعالى : ( شقاق بينهما ) : الشقاق الخلاف ؛ فلذلك حسن إضافته إلى بين ، وبين هنا الوصل الكائن بين الزوجين . ( حكما من أهله ) : يجوز أن يتعلق من بـ " ابعثوا " ، فيكون الابتداء غاية البعث . ويجوز أن يكون صفة للحكم فيتعلق بمحذوف . ( إن يريدا ) : ضمير الاثنين يعود على الحكمين . وقيل : على الزوجين فعلى الأول . والثاني : يكون قوله : يوفق الله بينهما للزوجين .

التالي السابق


الخدمات العلمية