الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( 57 ) ) .

قوله تعالى : ( وظللنا عليكم الغمام ) : أي جعلناه ظلا ، وليس كقولك : ظللت زيدا بظل ; لأن ذلك يؤدي إلى أن يكون الغمام مستورا بظل آخر ، ويجوز أن يكون التقدير بالغمام ، و ( الغمام ) : جمع غمامة ، والصحيح أن يقال هو جنس ، فإذا أردت الواحد زدت عليه التاء .

قوله تعالى : ( المن والسلوى ) : جنسان : ( كلوا من طيبات ) : " من " هنا للتبعيض أو لبيان الجنس والمفعول محذوف والتقدير : كلوا شيئا من طيبات . ( أنفسهم ) : مفعول يظلمون ، وقد أوقع أفعلا ، وهو من جموع القلة موضع جمع الكثرة .

قال تعالى : ( وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين ) ( ( 58 ) ) .

قوله تعالى : ( هذه القرية ) : القرية نعت لهذه . ( سجدا ) : حال ، وهو جمع ساجد ، وهو أبلغ من السجود . ( حطة ) : خبر مبتدأ محذوف ; أي سؤالنا حطة ، وموضع الجملة نصب بالقول .

وقرئ حطة بالنصب على المصدر ; أي حط عنا حطة . ( نغفر لكم ) : جواب الأمر ، وهو مجزوم في الحقيقة بشرط محذوف ، تقديره : إن تقولوا ذلك نغفر لكم ، والجمهور على إظهار الراء عند اللام ، وقد أدغمها قوم ، وهو ضعيف ; لأن الراء مكررة ; فهي في تقدير حرفين ; فإذا أدغمت ذهب أحدهما ; واللام المشددة لا تكرير فيها ; فعند ذلك يذهب التكرير القائم مقام حرف . ويقرأ " تغفر لكم " بالتاء على ما لم يسم فاعله .

[ ص: 59 ] وبالياء كذلك ، لأنه فصل بين الفعل والفاعل ، ولأن تأنيث الخطايا غير حقيقي .

( خطاياكم ) : هو جمع خطيئة ، وأصله عند الخليل خطائئ بهمزتين الأولى منهما مكسورة ، وهي المنقلبة عن الياء الزائدة في خطيئة ، فهو مثل صحيفة وصحائف ، فاستثقل الجمع بين الهمزتين فنقلوا الهمزة الأولى إلى موضع الثانية ، فصار وزنه فعالئ . وإنما فعلوا ذلك لتصير المكسورة طرفا ، فتنقلب ياء فتصير فعالى ، ثم أبدلوا من كسرة الهمزة الأولى فتحة ، فانقلبت الياء بعدها ألفا كما قالوا في : يا لهفي ، ويا أسفي ، فصارت الهمزة بين ألفين ، فأبدل منها ياء ; لأن الهمزة قريبة من الألف ; فاستكرهوا اجتماع ثلاث ألفات ، فخطايا فعالى ففيها على هذا خمس تغييرات : تقديم اللام عن موضعها ، وإبدال الكسرة فتحة ، وإبدال الهمزة الأخيرة ياء ، ثم إبدالها ألفا ، ثم إبدال الهمزة التي هي لام ياء .

وقال سيبويه : أصلها خطائئ ، كقول الخليل ، إلا أنه أبدل الهمزة الثانية ياء لانكسار ما قبلها ، ثم أبدل من الكسرة فتحة فانقلبت الياء ألفا ، ثم أبدل الهمزة ياء ، فلا تحويل على مذهبه . وقال الفراء : الواحدة خطية بتخفيف الهمزة والإدغام فهو مثل مطية ومطايا .

قال تعالى : ( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ( 59 ) ) .

قوله تعالى : ( فبدل الذين ظلموا قولا ) : في الكلام حذف تقديره : فبدل الذين ظلموا بالذي قيل لهم قولا غير الذي قيل لهم ; فبدل يتعدى إلى مفعول واحد بنفسه ، وإلى آخر بالباء ، والذي مع الباء هو المتروك ، والذي بغير باء هو الموجود كقول أبي النجم :

وبدلت والدهر ذو تبدل هيفا دبورا بالصبا والشمأل

.

فالذي انقطع عنها " الصبا " ، والذي صار لها الهيف ، فكذلك هاهنا .

ويجوز أن يكون " بدل " محمول على المعنى تقديره : فقال الذين ظلموا قولا غير الذي ; لأن تبديل القول كان بقول . ( من السماء ) : في موضع نصب متعلق بـ ( أنزلنا ) . ويجوز أن يكون صفة لرجز فيتعلق بمحذوف ، والرجز بكسر الراء وضمها لغتان . ( بما كانوا ) : الباء بمعنى السبب ; أي عاقبناهم بسبب فسقهم .

[ ص: 60 ] قال تعالى : ( وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين ( 60 ) ) .

قوله تعالى : ( استسقى ) : الألف منقلبة عن ياء ; لأنه من السقي .

وألف العصا من واو ; لأن تثنيتها عصوان ، وتقول عصوت بالعصا ; أي ضربت بها ، والتقدير : فضرب .

( فانفجرت منه اثنتا عشرة ) : من العرب من يسكن الشين ومنهم من يكسرها ، وقد قرئ بهما ، ومنهم من يفتحها . ( مفسدين ) : حال مؤكدة ; لأن قوله : لا تعثوا : لا تفسدوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية