الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون ) ( 29 ) ( فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون ) ( 30 ) .

قوله تعالى : ( وأقيموا ) : في تقدير الكلام وجهان : أحدهما : هو معطوف على موضع " القسط " على المعنى ؛ أي : أمر ربي فقال أقسطوا وأقيموا . والثاني : في الكلام حذف تقديره : فأقبلوا وأقيموا . و ( الدين ) : منصوب بمخلصين ، ولا يجوز هنا فتح اللام في " مخلصين " : لأن ذكر المفعول يمنع من أن لا يسمى الفاعل . ( كما ) : الكاف نعت لمصدر محذوف ؛ أي : تعودون عودا كبدئكم . ( فريقا هدى ) : فيه وجهان : أحدهما : هو منصوب بهدى ، " وفريقا " الثاني منصوب بفعل محذوف تقديره : وأضل فريقا ، وما بعده تفسير للمحذوف ، والكلام كله حال من الضمير في " تعودون " ، " وقد " مع الفعل مرادة تقديره : تعودون قد هدى فريقا وأضل فريقا . والوجه الثاني : أن " فريقا " في الموضعين حال ، و " هدى " وصف للأول ، و ( حق عليهم ) : وصف للثاني ، والتقدير : تعودون فريقين . وقرأ به أبي . ولم تلحق تاء التأنيث بـ " حق " للفصل ، أو لأن التأنيث غير حقيقي .

قال تعالى : ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) ( 31 ) .

قوله تعالى : ( عند كل مسجد ) : ظرف لـ " خذوا " وليس بحال للزينة ؛ لأن أحدها يكون قبل ذلك ، وفي الكلام حذف تقديره : عند قصد كل مسجد .

[ ص: 421 ] قال تعالى : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون ) ( 32 ) .

قوله تعالى : ( قل هي ) : هي مبتدأ ، وفي الخبر ستة أوجه : أحدها : ( خالصة ) : على قراءة من رفع ؛ فعلى هذا تكون اللام متعلقة بخالصة ؛ أي : هي خالصة لمن آمن في الدنيا ، و " يوم القيامة " ظرف لخالصة ، ولم يمتنع تعلق الظرفين بها ؛ لأن اللام للتبيين . والثاني : ظرف محض وفي متعلقة بآمنوا . والثاني : أن يكون الخبر للذين ، وخالصة خبر ثان ، وفي متعلقة بآمنوا . والثالث : أن يكون الخبر للذين ، وفي الحياة الدنيا وخالصة خبر ثان . والرابع : أن يكون الخبر في الحياة الدنيا ، وللذين متعلقة بـ " خالصة " . والخامس : أن تكون اللام حالا من الظرف الذي بعدها على قول الأخفش . والسادس : أن تكون " خالصة " نصبا على الحال ، على قراءة من نصب ، والعامل فيها للذين ، أو في الحياة الدنيا إذا جعلته خبرا ، أو حالا ، والتقدير : هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا في حال خلوصهما له يوم القيامة ؛ أي : إن الزينة يشاركون فيها في الدنيا ، وتخلص لهم في الآخرة ، ولا يجوز أن تعمل في " خالصة " زينة الله ؛ لأنه قد وصفها بقوله التي ، والمصدر إذا وصف لا يعمل ، ولا قوله " أخرج " لأجل الفصل الذي بينهما ، وهو قوله : قل . وأجاز أبو علي أن يعمل فيها " حرم " وهو بعيد لأجل الفصل أيضا . ( كذلك نفصل ) : قد ذكرنا إعراب نظيره في البقرة والأنعام .

قال تعالى : ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) ( 33 ) .

قوله تعالى : ( ما ظهر منها وما بطن ) : بدلان من الفواحش . و ( بغير الحق ) : متعلق بالبغي . وقيل : هو من الضمير الذي في المصدر ؛ إذ التقدير : وإن تبغوا بغير الحق . وعند هؤلاء يكون في المصدر ضمير .

التالي السابق


الخدمات العلمية