الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 245 ] قال تعالى : ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ( 173 ) ) .

قوله تعالى : ( الذين قال لهم الناس ) : بدل من الذين استجابوا أو صفة .

( فزادهم إيمانا ) : الفاعل مضمر تقديره : زادهم القول . ( حسبنا الله ) : مبتدأ وخبر ، وحسب مصدر في موضع اسم الفاعل تقديره : فحسبنا الله ; أي كافينا . يقال أحسبني الشيء ; أي كفاني .

قال تعالى : ( فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم ( 174 ) ) .

قوله تعالى : ( بنعمة من الله ) : في موضع الحال .

ويجوز أن يكون مفعولا به . ( لم يمسسهم ) : حال أيضا من الضمير في انقلبوا . ويجوز أن يكون العامل فيها بنعمة ، وصاحب الحال الضمير في الحال ; تقديره : فانقلبوا منعمين بريئين من سوء . ( واتبعوا ) : معطوف على انقلبوا ، ويجوز أن يكون حالا ; أي وقد اتبعوا .

قال تعالى : ( إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ( 175 ) ) .

قوله تعالى : ( ذلكم ) : مبتدأ ، و " الشيطان " : خبره .

و ( يخوف ) : يجوز أن يكون حالا من الشيطان ، والعامل الإشارة ، ويجوز أن يكون الشيطان بدلا أو عطف بيان ، ويخوف الخبر ، والتقدير : يخوفكم بأوليائه ، وقرئ في الشذوذ " يخوفكم أولياؤه " وقيل : لا حذف فيه ، والمعنى يخوف من يتبعه ، فأما من توكل على الله فلا يخافه . ( فلا تخافوهم ) : إنما جمع الضمير ; لأن الشيطان جنس ، ويجوز أن يكون الضمير للأولياء .

قال تعالى : ( ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم ( 176 ) ) .

قوله تعالى : ( لا يحزنك ) : الجمهور على فتح الياء وضم الزاي ، والماضي حزنه .

[ ص: 246 ] ويقرأ بضم الياء وكسر الزاي ، والماضي أحزن ، وهي لغة قليلة ، وقيل : حزن حدث له الحزن ، وحزنته أحدثت له الحزن ، وأحزنته عرضته للحزن . ( يسارعون ) : يقرأ بالإمالة والتفخيم ، ويقرأ يسرعون بغير ألف من أسرع . ( شيئا ) : في موضع المصدر ; أي ضررا .

قال تعالى : ( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين ( 178 ) ) .

قوله تعالى : ( ولا يحسبن الذين كفروا ) : يقرأ بالياء وفاعله الذين كفروا ، وأما المفعولان فالقائم مقامهما قوله " أنما نملي لهم خير لأنفسهم " فإن وما عملت فيه تسد مسد المفعولين عند سيبويه . وعند الأخفش المفعول الثاني محذوف تقديره : نافعا أو نحو ذلك . وفي " ما " وجهان أحدهما : هي بمعنى الذي . والثاني : مصدرية ، ولا يجوز أن تكون كافة ولا زائدة ، إذ لو كان كذلك لانتصب خير بنملي ، واحتاجت أن إلى خبر ، إذا كانت ما زائدة ، أو قدر الفعل يليها ، وكلاهما ممتنع . وقد قرئ شاذا بالنصب على أن يكون لأنفسهم خبر أن ، ولهم تبيين أو حال من خير ، وقد قرئ في الشاذ بكسر إن ، وهو جواب قسم محذوف ، والقسم وجوابه يسدان مسد المفعولين ، وقرأ حمزة ( تحسبن ) : بالتاء على الخطاب للنبي الذين كفروا المفعول الأول وفي المفعول الثاني وجهان أحدهما الجملة من أن وما عملت فيه والثاني : أن المفعول الأول محذوف أقيم المضاف إليه مقامه والتقدير : ولا تحسبن إملاء الذين كفروا . وقوله : أنما نملي لهم بدل من المضاف المحذوف والجملة سدت مسد المفعولين والتقدير : ولا تحسبن أن إملاء الذين كفروا خير لأنفسهم ويجوز أن تجعل أن وما عملت فيه بدلا من الذين كفروا بدل الاشتمال والجملة سدت مسد المفعولين .

( إنما نملي لهم ليزدادوا ) : مستأنف ، وقيل : أنما نملي لهم تكرير للأول وليزدادوا هو المفعول الثاني لتحسب على قراءة التاء ، والتقدير : ولا تحسبن يا محمد إملاء الذين كفروا خيرا ليزدادوا إيمانا ; بل ليزدادوا إثما ، ويروى عن بعض الصحابة أنه قرأه كذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية