الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 134 ] قال تعالى : ( فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ( 200 ) ) .

قوله تعالى : ( مناسككم ) : واحدها منسك بفتح السين وكسرها .

والجمهور على إظهار الكاف الأولى ، وأدغمها بعضهم ، شبه حركة الإعراب بحركة البناء فحذفها . ( أو أشد ) : أو هاهنا للتخيير والإباحة ، وأشد يجوز أن يكون مجرورا عطفا على ذكركم ، تقديره : أو كأشد ; أي أو كذكر أشد . ويجوز أن يكون منصوبا عطفا على الكاف ; أي أو ذكرا أشد .

و ( ذكرا ) : تمييز ، وهو في موضع مشكل ، وذلك أن أفعل تضاف إلى ما بعدها إذا كان من جنس ما قبلها ; كقولك ذكرك أشد ذكر ووجهك أحسن وجه ; أي أشد الأذكار ، وأحسن الوجوه .

وإذا نصبت ما بعدها كان غير الذي قبلها ; كقولك زيد أفره عبدا ، فالفراهة للعبد لا لزيد ، والمذكور قبل أشد هاهنا هو الذكر ، والذكر لا يذكر حتى يقال الذكر أشد ذكرا ، وإنما يقال الذكر أشد ذكر بالإضافة ; لأن الثاني هو الأول ، والذي قاله أبو علي ، وابن جني وغيرهما أنه جعل الذكر ذاكرا على المجاز ، كما تقول زيد أشد ذكرا من عمرو وعندي أن الكلام محمول على المعنى والتقدير : أو كونوا أشد ذكرا لله منكم لآبائكم ودل على هذا المعنى قوله تعالى : ( فاذكروا الله ) ; أي كونوا ذاكريه وهذا أسهل من حمله على المجاز .

قال تعالى : ( ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ( 201 ) ) .

قوله تعالى : ( في الدنيا حسنة ) : يجوز أن تكون : في متعلقة بآتنا وأن تكون صفة لحسنة قدمت فصارت حالا . ( وقنا ) : حذفت منه الفاء ، كما حذفت في المضارع إذا قلت يقي ، وحذفت لامها للجزم ، واستغني عن همزة الوصل لتحرك الحرف المبدوء به .

قال تعالى : ( واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون ( 203 ) ) .

قوله تعالى : ( في أيام معدودات ) : إن قيل : الأيام واحدها يوم ، والمعدودات [ ص: 135 ] واحدها معدودة ، واليوم لا يوصف بمعدودة ; لأن الصفة هنا مؤنثة والموصوف مذكر ، وإنما الوجه أن يقال أيام معدودة فتصف الجمع بالمؤنث .

والجواب أنه أجرى معدودات على لفظ أيام وقابل الجمع بالجمع مجازا والأصل معدودة كما قال : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) [ البقرة : 80 ] .

ولو قيل : إن الأيام تشتمل على الساعات ، والساعة مؤنثة فجاز الجمع على معنى ساعات الأيام ، وفيه تنبيه على الأمر بالذكر في كل ساعات هذه الأيام ، أو في معظمها لكان جوابا سديدا ، ونظير ذلك الشهر والصيف والشتاء ، فإنها يجاب بها عن كم وكم ، إنما يجاب عنها بالعدد وألفاظ هذه الأشياء ليست عددا ، وإنما هي أسماء لمعدودات ، فكانت جوابا من هذا الوجه . : ( فلا إثم ) : عليه الجمهور على إثبات الهمزة .

وقرئ : " فلثم " ووجهها أنه لما خلط لا بالاسم حذف الهمزة لشبهها بالألف ; ثم حذف ألف لا لسكونها وسكون الثاء بعدها .

( لمن اتقى ) : خبر مبتدأ محذوف تقديره : جواز التعجيل والتأخير لمن اتقى .

قال تعالى : ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ( 204 ) ) .

قوله تعالى : ( من يعجبك ) : من نكرة موصوفة . و ( في الحياة الدنيا ) : متعلق بالقول والتقدير : في أمور الدنيا . ويجوز أن يتعلق بـ ( يعجبك ) ( ويشهد الله ) : يجوز أن يكون معطوفا على يعجبك .

ويجوز أن يكون جملة في موضع الحال من الضمير في يعجبك ; أي يعجبك وهو يشهد الله . ويجوز أن يكون حالا من الهاء في " قوله " والعامل فيه القول ، والتقدير : يعجبك أن يقول في أمر الدنيا مقسما على ذلك ، والجمهور على ضم الياء وكسر الهاء ونصب اسم الله .

وقرئ بفتح الياء والهاء ورفع اسم الله ، وهو ظاهر .

( وهو ألد ) : يجوز أن تكون الجملة صفة معطوفة على يعجبك .

[ ص: 136 ] ويجوز أن تكون حالا معطوفة على " ويشهد " .

ويجوز أن تكون حالا من الضمير في يشهد .

و ( الخصام ) : هنا جمع خصم نحو كعب وكعاب .

ويجوز أن يكون مصدرا ; وفي الكلام حذف مضاف ; أي أشد ذوي الخصام .

ويجوز أن يكون الخصام هنا مصدرا في معنى اسم الفاعل ، كما يوصف بالمصدر في قولك : رجل عدل وخصم .

ويجوز أن يكون أفعل هاهنا لا للمفاضلة فيصح أن يضاف إلى المصدر تقديره : وهو شديد الخصومة . ويجوز أن يكون هو ضمير المصدر الذي هو " قوله " . قوله خصام ، والتقدير : خصامه ألد الخصام .

التالي السابق


الخدمات العلمية