الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ( 84 ) ) .

قوله تعالى : ( من دياركم ) : الياء منقلبة عن واو ; لأنه جمع دار والألف في دار واو في الأصل ; لأنها من دار يدور ، وإنما قلبت ياء في الجمع ; لانكسار ما قبلها ، واعتلالها في الواحد .

فإن قلت : فكيف صحت في ( لواذا ) ; قيل : لما صحت في الفعل صحت في المصدر ، والفعل لاوذ .

فإن قلت : فكيف صحت في ديار ؟ قيل : الأصل فيه ديوار ، فقلبت الواو ، وأدغمت .

[ ص: 74 ] ( ثم أقررتم ) : فيه وجهان : أحدهما : أن ثم على بابها في إفادة العطف والتراخي ، والمعطوف عليه محذوف تقديره : فقبلتم ثم أقررتم . والثاني : أن تكون " ثم " جاءت لترتيب الخبر لا لترتيب المخبر عنه ; كقوله تعالى : ( ثم الله شهيد ) [ البقرة : 49 ] .

قال تعالى : ( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ( 85 ) ) .

قوله تعالى : ( ثم أنتم هؤلاء ) : أنتم مبتدأ وفي خبره ثلاثة أوجه : أحدها : تقتلون ; فعلى هذا في هؤلاء وجهان أحدهما في موضع نصب بإضمار أعني ، والثاني هو منادى ; أي يا هؤلاء ، إلا أن هذا لا يجوز عند سيبويه ; لأن أولاء مبهم ، ولا يحذف حرف النداء مع المبهم . والوجه الثاني : أن الخبر هؤلاء على أن يكون بمعنى الذين ، وتقتلون صلته ، وهذا ضعيف أيضا ; لأن مذهب البصريين أن أولاء هذا لا يكون بمنزلة الذين ، وأجازه الكوفيون . والوجه الثالث : أن الخبر هؤلاء على تقدير حذف مضاف تقديره ، ثم أنتم مثل هؤلاء كقولك أبو يوسف أبو حنيفة ، فعلى هذا تقتلون حال يعمل فيها معنى التشبيه .

قوله : ( تظاهرون عليهم ) : في موضع نصب على الحال ، والعامل فيها تخرجون ، وصاحب الحال الواو ، ويقرأ بتشديد الظاء ، والأصل تتظاهرون ، فقلبت التاء الثانية ظاء ، وأدغمت .

ويقرأ بالتخفيف على حذف التاء الثانية ; لأن الثقل والتكرر حصل بها ; ولأن الأولى حرف يدل على معنى ; وقيل المحذوفة هي الأولى .

ويقرأ بضم التاء وكسر الهاء والتخفيف ، وماضيه ظاهر .

[ ص: 75 ] و ( والعدوان ) : مصدر ، مثل الكفران ، والكسر لغة ضعيفة . ( أسارى ) : حال ، وهو جمع أسير ، ويقرأ بضم الهمزة وبفتحها ; مثل سكارى وسكارى ، ويقرأ أسرى ، مثل جريح وجرحى ، ويجوز في الكلام أسراء مثل شهيد وشهداء .

( تفدوهم ) : بغير ألف ، وتفادوهم بالألف ، وهو من باب المفاعلة ، فيجوز أن يكون بمعنى القراءة الأولى ، ويجوز أن يكون من المفاعلة التي تقع من اثنين ; لأن المفاداة كذلك تقع .

( وهو محرم عليكم ) : هو مبتدأ ، وهو ضمير الشأن ، ومحرم خبره ، وإخراجهم مرفوع بمحرم .

ويجوز أن يكون إخراجهم مبتدأ ، ومحرم خبر مقدم ، والجملة خبر هو .

ويجوز أن يكون هو ضمير الإخراج المدلول عليه بقوله : " وتخرجون فريقا منكم " ويكون محرم الخبر ، وإخراجهم بدل من الضمير في محرم ، أو من هو .

( فما جزاء ) : ما نفي ، والخبر ( خزي ) : ويجوز أن تكون استفهاما مبتدأ ، وجزاء خبره ، وإلا خزي بدل من جزاء .

( يفعل ذلك منكم ) : في موضع نصب على الحال من الضمير في يفعل .

( في الحياة الدنيا ) : صفة للخزي . ويجوز أن يكون ظرفا تقديره إلا أن يخزى في الحياة الدنيا .

( يردون ) : بالياء على الغيبة ; لأن قبله مثله ، ويقرأ بالتاء على الخطاب ردا على قوله : تقتلون . ومثله ( عما تعملون ) : بالتاء والياء .

التالي السابق


الخدمات العلمية