الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ( 89 ) ) .

قوله تعالى : ( من عند الله ) : يجوز أن يكون في موضع نصب لابتداء غاية المجيء . ويجوز أن يكون في موضع رفع صفة لكتاب .

( مصدق ) : بالرفع صفة لكتاب . وقرئ شاذا بالنصب على الحال وفي صاحب الحال وجهان : أحدهما : الكتاب ; لأنه قد وصف فقرب من المعرفة . والثاني : أن يكون حالا من الضمير في الظرف ، ويكون العامل الظرف أو ما يتعلق به الظرف ومثله : ( رسول من عند الله مصدق ) [ البقرة 101 ] .

قوله : ( من قبل ) : بنيت ههنا لقطعها عن الإضافة ، والتقدير : من قبل ذلك .

( فلما جاءهم ) : أتى بلما بعد لما من قبل جواب الأولى ، وفي جواب الأولى وجهان : أحدهما : جوابها لما الثانية وجوابها ; وهذا ضعيف ; لأن الفاء مع لما الثانية ، ولما لا تجاب بالفاء إلا أن يعتقد زيادة الفاء على ما يجيزه الأخفش .

[ ص: 78 ] والثاني : أن كفروا جواب الأولى والثانية ; لأن مقتضاهما واحد .

وقيل : الثانية تكرير فلم تحتج إلى جواب .

وقيل : جواب الأولى محذوف تقديره : أنكروه ، أو نحو ذلك .

( فلعنة الله ) : هو مصدر مضاف إلى الفاعل .

قال تعالى : ( بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين ( 90 ) ) .

قوله تعالى : ( بئسما اشتروا ) فيه أوجه أحدها أن تكون : ما نكرة غير موصوفة منصوبة على التمييز قاله الأخفش ، واشتروا على هذا صفة لمحذوف تقديره : شيء أو كفر ; وهذا المحذوف هو المخصوص ، وفاعل بئس مضمر فيها ونظيره : لنعم الفتى أضحى بأكناف حايل أي فتى أضحى .

وقوله : ( أن يكفروا ) : خبر مبتدأ محذوف ; أي هو أن يكفروا ، وقيل أن يكفروا في موضع جر بدلا من الهاء في به ، وقيل هو مبتدأ ، وبئس وما بعدها خبر عنه .

والوجه الثاني : أن تكون : ما نكرة موصوفة ، واشتروا صفتها ، وأن يكفروا على الوجوه المذكورة ، ويزيد هاهنا أن يكون هو المخصوص بالذم .

والوجه الثالث أن تكون : ما بمنزلة الذي ، وهو اسم بئس ، وأن يكفروا المخصوص بالذم ، وقيل اسم بئس مضمر فيها والذي وصلته المخصوص بالذم .

والوجه الرابع : أن تكون : ما مصدرية ; أي بئس شراؤهم ، وفاعل بئس على هذا مضمر ; لأن المصدر هنا مخصوص ليس بجنس .

قوله : ( بغيا ) : مفعول له . ويجوز أن يكون منصوبا على المصدر ; لأن ما تقدم يدل على أنهم بغوا بغيا .

[ ص: 79 ] ( أن ينزل الله ) : مفعول من أجله أي بغوا ; لأن أنزل الله وقيل التقدير بغيا على ما أنزل الله ; أي حسدا على ما خص الله به نبيه من الوحي ، ومفعول ينزل محذوف ; أي ينزل الله شيئا . ( من فضله ) : ويجوز أن تكون من زائدة على قول الأخفش .

و ( من ) : نكرة موصوفة أي على رجل يشاء .

ويجوز أن تكون بمعنى الذي ومفعول يشاء محذوف ; أي يشاء نزوله عليه .

ويجوز أن يكون يشاء يختار ويصطفى و ( من عباده ) : حال من الهاء المحذوفة ، ويجوز أن يكون في موضع جر صفة أخرى لمن . ( فباءوا بغضب ) : أي مغضوبا عليهم ; فهو حال : على غضب صفة لغضب الأول . ( مهين ) : الياء بدل من الواو ; لأنه من الهوان .

قال تعالى : ( وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ( 91 ) ) .

قوله تعالى : ( ويكفرون ) : أي وهم يكفرون ، والجملة حال والعامل فيها قالوا من قوله : ( قالوا نؤمن ) ; ولا يجوز أن يكون العامل نؤمن إذ لو كان كذلك لوجب أن يكون لفظ الحال ونكفر أي ونحن نكفر والهاء في ( وراءه ) تعود على ما ، والهمزة في وراء بدل من ياء ; لأن ما فاؤه واو لا يكون لامه واوا ، ويدل عليه أنها ياء في تواريت لا همزة . وقال ابن جني هي عندنا همزة ; لقولهم وريئة بالهمز في التصغير .

( وهو الحق ) : جملة في موضع الحال والعامل فيها يكفرون .

ويجوز أن يكون العامل معنى الاستقرار الذي دلت عليه ( ما ) إذ التقدير بالذي استقر وراءه . ( مصدقا ) : حال مؤكدة ، والعامل فيها ما في الحق من معنى الفعل إذ المعنى وهو ثابت مصدقا ، وصاحب الحال الضمير المستتر في الحق عند قوم ، وعند آخرين صاحب الحال ضمير دل عليه الكلام ، والحق مصدر لا يتحمل الضمير على حسب تحمل اسم الفاعل له عندهم ، فأما المصدر الذي ينوب عن الفعل ; كقولك ضربا زيدا فيتحمل الضمير عند قوم .

[ ص: 80 ] ( فلم ) : ما : هنا استفهام ، وحذفت ألفها مع حرف الجر للفرق بين الاستفهامية والخبرية ، وقد جاءت في الشعر غير محذوفة ، ومثله : ( فيم أنت من ذكراها ) [ النازعات : 43 ] و ( عم يتساءلون ) [ النبأ : 1 ] و ( مم خلق ) [ الطارق : 5 ] .

( تقتلون ) : أي قتلتم . والمعنى أن آباءهم قتلوا فلما رضوا بفعلهم أضاف القتل إليهم : إن كنتم جوابها محذوف دل عليه ما تقدم .

قال تعالى : ( ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ( 92 ) ) .

قوله تعالى : ( بالبينات ) : يجوز أن تكون في موضع الحال من موسى ، تقديره : جاءكم ذا بينات وحجة أو جاء ومعه البينات ، ويجوز أن يكون مفعولا به ; أي بسبب إقامة البينات .

التالي السابق


الخدمات العلمية