الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم ) ( 25 ) .

[ ص: 270 ] قوله تعالى : ( ومن لم يستطع ) : شرط وجوابه : " فمما ملكت " . و ( منكم ) : حال من الضمير في يستطع . ( طولا ) : مفعول يستطع . وقيل : هو مفعول له ، وفيه حذف مضاف ؛ أي : لعدم الطول . وأما " أن ينكح " ففيه وجهان : : أحدهما هو بدل من طول ، وهو بدل الشيء من الشيء ، وهما لشيء واحد ؛ لأن الطول هو القدرة ، أو الفضل ، والنكاح قوة وفضل . والثاني : أن لا يكون بدلا ؛ بل هو معمول طول ، وفيه على هذا وجهان : أحدهما : هو منصوب بطول ؛ لأن التقدير : ومن لم يستطع أن ينال نكاح المحصنات ، وهو من قولك : طلته ؛ أي : نلته ، ومنه قول الفرزدق :

إن الفرزدق صخرة عادية طالت فليس ينالها الأوعالا

.

؛ أي : طالت الأوعالا . والثاني : أن يكون على تقدير حذف حرف الجر ؛ أي : إلى أن ينكح ، والتقدير : ومن لم يستطع وصلة إلى نكاح المحصنات .

وقيل : المحذوف اللام ؛ فعلى هذا يكون في موضع صفة طول والطول المهر ؛ أي : مهرا كائنا لأن ينكح .

وقيل : هو مع تقدير اللام مفعول الطول ؛ أي : طولا لأجل نكاحهن .

( فمن ما ) : في " من " وجهان : أحدهما : هي زائدة ؛ والتقدير : فلينكح ما ملكت .

والثاني : ليست زائدة ، والفعل المقدر محذوف ، تقديره : فلينكح امرأة مما ملكت ، و " من " على هذا صفة للمحذوف وقيل : مفعول الفعل المحذوف " فتياتكم " ؛ ومن الثانية زائدة . و ( والمؤمنات ) : على هذه الأوجه صفة الفتيات . وقيل : مفعول الفعل المحذوف " المؤمنات " ؛ والتقدير : من فتياتكم الفتيات المؤمنات ، وموضع " من فتياتكم " إذا لم تكن " من " زائدة حال من الهاء المحذوفة في ملكت . وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ؛ تقديره : فلينكح بعضكم من بعض الفتيات ؛ فعلى هذا يكون قوله : " والله أعلم بإيمانكم " معترضا بين الفعل والفاعل . و ( بعضكم ) : فاعل الفعل المحذوف ، والجيد أن يكون بعضكم مبتدأ . و " من بعض " خبره ؛ أي : بعضكم من جنس بعض في النسب والدين ، فلا يترفع الحر عن الأمة عند الحاجة . وقيل ( فمما ملكت ) : خبر مبتدأ محذوف ؛ أي : فالمنكوحة مما ملكت . ( محصنات ) : حال من المفعول في " وآتوهن " ( ولا متخذات ) : معطوف على محصنات ، والإضافة غير محضة ، والأخدان جمع خدن مثل عدل وأعدال . ( فإذا [ ص: 272 ] أحصن ) : يقرأ بضم الهمزة ؛ أي : بالأزواج ، وبفتحها ؛ أي : فروجهن . ( فإن أتين ) : الفاء جواب إذا . ( فعليهن ) : جواب إن . ( من العذاب ) : في موضع الحال من الضمير في الجار ، والعامل فيها العامل في صاحبها ، ولا يجوز أن تكون حالا من ما ؛ لأنها مجرورة بالإضافة ، فلا يكون لها عامل . ( ذلك ) : مبتدأ . ( لمن خشي ) : الخبر ؛ أي : جائز للخائف من الزنى . ( وأن تصبروا ) : مبتدأ ؛ و ( خير لكم ) : خبره .

قال تعالى : ( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم ) ( 26 ) .

قوله تعالى : ( يريد الله ليبين لكم ) : مفعول يريد محذوف ؛ تقديره : يريد الله ذلك ؛ أي : تحريم ما حرم وتحليل ما حلل ليبين . واللام في ليبين متعلقة بيريد ، وقيل : اللام زائدة ، والتقدير : يريد الله أن يبين ، فالنصب بأن .

قال تعالى : ( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ) ( 27 ) .

قوله تعالى : ( ويريد الذين يتبعون الشهوات ) : معطوف على قوله : والله يريد أن يتوب عليكم إلا أنه صدر الجملة الأولى بالاسم ، والثانية بالفعل ، ولا يجوز أن يقرأ بالنصب ؛ لأن المعنى يصير : والله يريد أن يتوب عليكم ، ويريد أن يريد الذين يتبعون الشهوات ، وليس المعنى على ذلك .

قال تعالى : ( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ) ( 28 ) .

قوله تعالى : ( وخلق الإنسان ضعيفا ) : ضعيفا حال . وقيل : تمييز ، لأنه يجوز أن يقدر بمن ، وليس بشيء . وقيل : التقدير : وخلق الإنسان من شيء ضعيف ؛ أي : من طين ، أو من نطفة وعلقة ومضغة ، كما قال ( الله الذي خلقكم من ضعف ) [ الروم : 54 ] فلما حذف الجار والموصوف انتصبت الصفة بالفعل نفسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية