الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) ( ( 49 ) ) .

قوله تعالى : ( وإذ نجيناكم ) : إذ في موضع نصب معطوفا على ( اذكروا نعمتي ) [ البقرة : 50 ] ، ( وإذ واعدنا ) [ البقرة : 51 ] ، وإذ قلتم ياموسى ، وما كان مثله من العطوف . ( من آل فرعون ) : أصل آل أهل ، فأبدلت الهاء همزة لقربها منها في المخرج ، ثم أبدلت الهمزة ألفا لسكونها وانفتاح الهمزة قبلها مثل آدم وآمن ، وتصغيره أهيل ; لأن التصغير يرد إلى الأصل ، وقال بعضهم : أويل ، فأبدل الألف واوا ، ولم يرده إلى الأصل كما لم يردوا عيدا في التصغير إلى أصله .

وقيل أصل آل أول ، من آل يئول ; لأن الإنسان يئول إلى أهله ، وفرعون أعجمي معرفة . ( يسومونكم ) : في موضع نصب على الحال من آل .

( سوء العذاب ) : مفعول به ; لأن يسومونكم متعد إلى مفعولين يقال سمته الخسف أي ألزمته الذل . ( يذبحون ) : في موضع حال إن شئت من " آل " على أن يكون بدلا من الحال الأولى ; لأن حالين فصاعدا لا تكون عن شيء واحد ، إذ كانت الحال مشبهة بالمفعول ، والعامل لا يعمل في مفعولين على هذا الوصف ، وإن شئت جعلته حالا من الفاعل في يسومونكم والجمهور على تشديد الباء للتكثير ، وقرئ بالتخفيف .

( بلاء ) : الهمزة بدل من واو ; لأن الفعل منه بلوته ، ومنه قوله : ( ولنبلونكم ) . ( من ربكم ) : في موضع رفع صفة لبلاء فيتعلق بمحذوف .

قال تعالى : ( وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ( 50 ) ) .

قوله تعالى : ( فرقنا بكم البحر ) : بكم في موضع نصب مفعول ثان ، والبحر مفعول [ ص: 56 ] أول ، والباء هنا في معنى اللام . ويجوز أن يكون التقدير : بسببكم . ويجوز أن تكون المعدية كقولك : ذهبت بزيد فيكون التقدير : أفرقناكم البحر ، ويكون في المعنى كقوله تعالى : ( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر ) [ الأعراف : 138 ] . ويجوز أن تكون الباء للحال ; أي فرقنا البحر ، وأنتم به ، فيكون إما حالا مقدرة أو مقارنة . ( وأنتم تنظرون ) : في موضع الحال ، والعامل " أغرقنا " .

قال تعالى : ( وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ) ( ( 51 ) ) .

قوله تعالى : ( واعدنا موسى ) : وعد يتعدى إلى مفعولين ، تقول وعدت زيدا مكان كذا ، ويوم كذا ، فالمفعول الأول موسى ، و " أربعين " المفعول الثاني ، وفي الكلام حذف تقديره تمام أربعين ، وليس أربعين ظرفا ، إذ ليس المعنى وعده في أربعين .

ويقرأ واعدنا بألف ، وليس من باب المفاعلة الواقعة من اثنين ، بل مثل قولك : عافاه الله ، وعاقبت اللص . وقيل : هو من ذلك ; لأن الوعد من الله ، والقبول من موسى ، فصار كالوعد منه ، وقيل : إن الله أمر موسى أن يعد بالوفاء ففعل .

و ( موسى ) : مفعل ، من أوسيت رأسه ، إذا حلقته ; فهو مثل أعطى فهو معطى .

وقيل : هو فعلى من ماس يميس إذا تبختر في مشيه ، فموسي الحديد من هذا المعنى ; لكثرة اضطرابها وتحركها وقت الحلق ، فالواو في موسى على هذا بدل من الياء لسكونها وانضمام ما قبلها .

وموسى اسم النبي لا يقضى عليه بالاشتقاق ; لأنه أعجمي وإنما يشتق موسى الحديد . ( ثم اتخذتم العجل ) : ; أي إلها ، فحذف المفعول الثاني ، ومثله : باتخاذكم العجل ، وقد تأتي اتخذت متعدية إلى مفعول واحد إذا كانت بمعنى جعل وعمل ; كقوله تعالى : ( وقالوا اتخذ الله ولدا ) [ البقرة : 116 ] وكقولك : اتخذت دارا وثوبا ، وما أشبه ذلك ، ويجوز إدغام الذال في التاء لقرب مخرجيهما ، ويجوز الإظهار على الأصل .

( من بعده ) : أي من بعد انطلاقه ، فحذف المضاف .

التالي السابق


الخدمات العلمية