الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم ( 255 ) ) .

قوله تعالى : ( الله لا إله إلا هو ) : مبتدأ وخبر ; وقد ذكرنا موضع هو في قوله : ( وإلهكم إله واحد ) .

( الحي القيوم ) : يجوز أن يكون خبرا ثانيا ، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف ; أي هو ، وأن يكون مبتدأ والخبر لا تأخذه ، وأن يكون بدلا من هو ، وأن يكون بدلا من لا إله .

والقيوم : فيعول من قام يقوم ، فلما اجتمعت الواو والياء ، وسبقت الأولى بالسكون ، قلبت الواو ياء ، وأدغمتا . ولا يجوز أن يكون فعولا من هذا ; لأنه لو كان كذلك لكان قووما بالواو ; لأن العين المضاعفة أبدا من جنس العين الأصلية ; مثل : سبوح وقدوس ، ومثل ضراب وقتال ، فالزائد من جنس العين ، فلما جاءت الياء دل أنه فيعول .

ويقرأ القيم على فيعل ; مثل سيد وميت . ويقرأ القيام على فيعال ، مثل بيطار .

وقد قرئ في الشاذ القائم مثل قوله : قائما بالقسط . وقرئ في الشاذ أيضا " الحي القيوم " بالنصب على إضمار أعني .

وعين الحي ولامه ياءان ، وله موضع يشبع القول فيه .

( لا تأخذه ) : يجوز أن يكون مستأنفا ، ويجوز أن يكون له موضع ، وفي ذلك وجوه أحدها : أن يكون خبرا آخر لله ، أو خبرا للحي .

ويجوز أن يكون في موضع الحال من الضمير في القيوم ; أي يقوم بأمر الخلق غير [ ص: 165 ] غافل . وأصل السنة وسنة ، والفعل منه وسن يسن ; مثل : وعد يعد ، فلما حذفت الواو في الفعل ، حذفت في المصدر . ( ولا نوم ) : لا زائدة للتوكيد ، وفائدتها أنها لو حذفت لاحتمل الكلام أن يكون لا تأخذه سنة ولا نوم في حال واحدة ، فإذا قال ولا نوم نفاهما على كل حال .

( له ما في السماوات ) : يجوز أن يكون خبرا آخر لما تقدم وأن يكون مستأنفا .

( من ذا الذي ) : قد ذكر في قوله تعالى : ( من ذا الذي يقرض الله ) [ البقرة : 245 ] .

و ( عنده ) : ظرف ليشفع . وقيل : يجوز أن يكون حالا من الضمير في يشفع ، وهو ضعيف في المعنى ; لأن المعنى يشفع إليه .

وقيل : بل الحال أقوى ; لأنه إذا لم يشفع من هو عنده ، وقريب منه فشفاعة غيره أبعد . ( إلا بإذنه ) : في موضع الحال ، والتقدير : لا أحد يشفع عنده إلا مأذونا له أو إلا ومعه إذن أو إلا في حال الإذن . ويجوز أن يكون مفعولا به ; أي بإذنه يشفعون ، كما تقول ضرب بسيفه ; أي هو آلة الضرب . و ( يعلم ) : يجوز أن يكون خبرا آخر ، وأن يكون مستأنفا .

( من علمه ) : أي معلومه ; لأنه قال : إلا بما شاء وعلمه الذي هو صفة له لا يحاط به ولا بشيء منه ; ولهذا قال : ( ولا يحيطون به علما ) [ طه : 110 ] .

( إلا بما شاء ) : بدل من شيء ; كما تقول ما مررت بأحد إلا بزيد .

( وسع كرسيه ) : الجمهور على فتح الواو ، وكسر السين ، على أنه فعل ، والكرسي فاعله ، ويقرأ بسكون السين على تخفيف الكسرة ، كعلم في علم .

ويقرأ بفتح الواو وسكون السين ورفع العين . وكرسيه بالجر .

( السماوات والأرض ) : بالرفع على أنه مبتدأ وخبر .

والكرسي : فعلي من الكرس ، وهو الجمع ، والفصيح فيه ضم الكاف ، ويجوز كسرها للإتباع . ( ولا يئوده ) : الجمهور على تحقيق الهمزة على الأصل .

ويقرأ بحذف الهمزة ، كما حذفت همزة أناس ، ويقرأ بواو مضمومة مكان الهمزة على الإبدال .

و ( العلي ) : فعيل ، وأصله عليو ; لأنه من علا يعلو .

التالي السابق


الخدمات العلمية