الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن كاتبه أحدهما بغير إذن شريكه أتجوز الكتابة في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا تجوز وإن أدى ذلك فإنه لا يكون مكاتبا ويكون رقيقا .

                                                                                                                                                                                      قلت : فما حال ما أخذ السيد منه ؟

                                                                                                                                                                                      قال : يكون بينهما .

                                                                                                                                                                                      قلت : وهذا قول مالك ، قال نعم ، كذلك قال لنا مالك ونزلت وكتب بها إليه في الرجل يأذن لشريكه بكتابة عبد بينهما أنه يفسخ ذلك وإن اقتضى الكتابة كلها .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن كان قد اقتضى مالا أيكون بينهما ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم ، وقال غيره من الرواة : إن اجتمعا على أخذه أخذاه ، ومن أراد رده على العبد ، رده لأنه لا يجوز لهما اقتسام مال العبد إلا برضا منهما ، وقد ذكر هذا عن مالك ألا ترى أن من عيب كتابة أحد الرجلين نصيبه بإذن شريكه وإن كان الشريك قد أذن لشريكه أن يأخذ من مال بينهما لم يكن يجوز لأحدهما أن يأخذ منه شيئا دون صاحبه لاختلاف الحرية بلا قيمة ; لأن الكتابة عقد قوي ثابت وليس هي من حقائق الحرية ، فيقوم على المعتق إذا أعتق المكاتب بأدائها ، وإنما عتق المكاتب بالعقد الأول ، ولم يحدث له السيد عتقا إنما صار عتقه على أصل عقده ، وأدائه الذي يفتح له عتقه ، ولم يكن على المكاتب قيمة ; لأنه منع القيمة أن تكون ; لأنه قد يعجز فيكون قد أقيم على المستمسك عبده إلى رق لا إلى حرية وذلك خلاف لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن أعتق شركا له في عبد فإنهما أيضا يتحاصان في ماله بحالتين مختلفتين يأخذ هذا بنجوم ويأخذ هذا بخراج ، فأحدهما لا يدري يوم أذن له في شرطه لما أذن له من النجوم ; لأنه لم يحدد عليه في شرطه ما يأخذ المستمسك بالرق من الخراج ، وأنه إذا كاتب نصف عبد هو له فإن أصل الكتابة لا تكون إلا على المراضاة ; لأنها بيع ألا ترى أن العبد لو أراد أولا قبل أن يكاتب منه شيء أن يكاتبه سيده بغير [ ص: 484 ] رضاه ما لزم سيده مكاتبته بكتابة مثله ولا بقليل ولا بكثير ، فلذلك لا يلزم السيد أن يكاتب ما بقي بعدما كاتب إلا بالرضا كما كان يدين الكتابة ، وأنه لو أدى المكاتب ما كوتب عليه في نصفه لم يكن عتقا ; لأن السيد لم يستحدث له عتقا إنما عقد كتابة ثم كان الأداء يصير به إلى العتق ، فهو لم يعتق لو لم يكن أدى شيئا ، فلذلك إذا أدى كان لا يعتق إلا بهذا العقد ; لأن عقده كان ضعيفا ليس بعقد .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية