الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما التعظيم فهو حالة للقلب تتولد من معرفتين ؛ إحداهما معرفة جلال الله عز وجل وعظمته وهو من أصول الإيمان فإن من لا يعتقد عظمته لا تذعن النفس لتعظيمه .

الثانية معرفة حقارة النفس وخستها وكونها عبدا مسخرا مربوبا حتى يتولد من المعرفتين ، الاستكانة والانكسار والخشوع لله سبحانه ، فيعبر عنه بالتعظيم وما لم تمتزج معرفة حقارة النفس بمعرفة جلال الله لا تنتظم حالة التعظيم والخشوع ، فإن المستغني عن غيره الآمن على نفسه يجوز أن يعرف من غيره صفات العظمة ولا يكون الخشوع والتعظيم حاله ؛ لأن القرينة الأخرى وهي معرفة حقارة النفس وحاجتها لم تقترن إليه وأما الهيبة والخوف ، فحالة للنفس تتولد من المعرفة بقدرة الله وسطوته ونفوذ مشيئته فيه مع قلة المبالاة به وأنه لو أهلك الأولين والآخرين لم ينقص من ملكه ذرة هذا مع مطالعة ما يجري على الأنبياء والأولياء من المصائب وأنواع البلاء مع القدرة على الدفع على خلاف ما يشاهد من ملوك الأرض .

التالي السابق


(وأما التعظيم فهو حالة للقلب تتولد من معرفتين؛ إحداهما معرفة جلال الله عز وجل) ، وكبريائه (وعظمته) ، وأنه منعوت بصفات الكمال، (وهو من أصول الإيمان) كما تقدم بيان ذلك في قواعد العقائد، (فإن من لا يعتقد عظمته) في القلب (لا تذعن النفس لتعظيمه) ، ولا تنقاد؛ (الثانية معرفة حقارة النفس وخستها) ودناءتها، (وكونها عبدا مسخرا) ، أي: مذللا (مربوبا) مقهورا (حتى يتولد من المعرفتين، الاستكانة) ، أي: الخضوع والذل، (والانكسار والخشوع له سبحانه، فيعبر عنه) ، أي: عن الذي تولد من المعرفتين بالتعظيم، وهذا معنى قولهم: من عرف نفسه بالذل والعجز، عرف ربه بالعز والقدرة، يحكى ذلك من كلام يحيى بن معاذ الرازي، وليس بحديث كما توهم، قاله ابن السمعاني وتبعه النووي، (وما لم تمتزج معرفة حقارة النفس) وذلها (بمعرفة جلال الله) وعظمته، (لا تنتظم حالة التعظيم والخشوع، فإن المستغني عن غيره الآمن على نفسه) من المخاوف، (يجوز أن يعرف من غيره صفات العظمة) والأبهة، (ولا يكون الخشوع والتعظيم حاله؛ لأن القرينة الأخرى وهي معرفة حقارة النفس وحاجتها) ، أي: احتياجها (لم تقترن إليه) ، فلا بد من اعتبار القرينتين لحصول حالة التعظيم، (وأما الهيبة والخوف، فحالة للنفس) جالبة للتعظيم (تتولد من المعرفة بقدرة الله) تعالى، (وسطوته ونفوذ مشيئته فيه) ، وأن قدرته تامة وسطوته باهرة، وما شاءه في الخلق نافذ لا يرده راد (مع قلة المبالاة به) ، لكمال غناه عن غيره، (وأنه لو أهلك الأولين والآخرين) من الخلائق أجمعين (لم ينقص من ملكه ذرة) ، ولا حصل أدنى خلل في كمال ربوبيته، (هذا مع مطالعة) ، أي: الاطلاع على (ما يجري على الأنبياء) والمرسلين عليهم السلام، (و) على (الأولياء) والصالحين قدس أسرارهم (من المصائب وأنواع البلاء) مما ابتلاهم به مما هو مذكور في كتابه العزيز في عدة مواضع .

(مع القدرة على الدفع) والإزالة (على خلاف ما يشاهد من ملوك الأرض) من نفاد خزائنهم بالأعطية، وعدم القدرة على دفع ما نزل بهم .




الخدمات العلمية