الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
يفتتح بالتكبير ليلة الفطر إلى الشروع في صلاة العيد وفي العيد الثاني يفتتح التكبير عقيب الصبح يوم عرفة إلى آخر النهار يوم الثالث عشر وهذا أكمل الأقاويل .

التالي السابق


( ويفتتح بالتكبير) المرسل المشروع في العيدين بأول وقته، وهو غروب الشمس ( ليلة) عيد ( الفطر) ، وعيد الأضحى، وفي آخر وقته طريقان، وأصحهما على ثلاثة أقوال أظهرها، يكبر ( إلى الشروع) أي: شروع الإمام أي: إحرامه ( في صلاة العيد) ، والثاني إلى أن يخرج الإمام إلى الصلاة، والثالث إلى أن يفرغ منها، وقيل إلى أن يفرغ من الخطبتين، والطريق الثاني القطع بالقول الأول كذا في الروضة، قال: ويرفع الناس أصواتهم بالمرسل في ليلتي العيدين ويوميهما إلى الغاية المذكورة في المنازل، والمساجد، والأسواق، والطرق، في السفر، والحضر، وفي طريق المصلى، ويستثنى منه الحاج فلا يكبر ليلة الأضحى، بل ذكره التلبية، وتكبير ليلة الفطر آكد من تكبير ليلة الأضحى على الجديد، وفي القديم عكسه .

قلت: وقال أصحابنا: يقطع التكبير إذا انتهى إلى المصلى سواء في الفطر، أو على القول بالجهر أو الأضحى، وقيل: لا يقطعه ما لم يفتتح الصلاة، الأول جزم به في الدراية، والثاني نقله النسفي في الكافي، وقال المقدسي: وعليه عمل الناس، وفي التترخانية عن الحجة، وقال أبو جعفر الهندواني: وبه نأخذ، ( و) أما التكبير فيكون ( في العيد الثاني) أي: الأضحى .

واعلم أن الناس فيه قسمان: حجاج، وغيرهم؛ فالحجاج يبتدئون بالتكبير عقيب ظهر يوم النحر، ويختمون عقيب الصبح آخر أيام التشريق، وقيل: إلى آخر أيام التشريق، وهو الأصح، وأما غير الحجاج ففيهم طريقان أصحهما على ثلاثة أقوال: أولها أنهم كالحجاج، والثاني يبتدئون بالتكبير عقيب المغرب ليلة النحر إلى صبح الثالث من أيام التشريق، والثالث ( يفتتح التكبير عقيب الصبح يوم عرفة إلى آخر نهار يوم الثالث عشر) ، وهو آخر أيام التشريق، وقال الصيدلاني وغيره: وعليه العمل في الأمصار، قال النووي : وهو الأظهر عند المحققين للحديث، والله أعلم؛ ولذا قال المصنف: ( هذا أكمل الأقاويل) ، والطريق الثاني: القطع بالقول الأول .



( فصل)

وقال أصحابنا: ابتداؤه فجر يوم عرفة، وهو قول أحمد، والأظهر عن الشافعي، وفي قوله الآخر، وهو قول مالك: ظهر يوم النحر، وآخر عصر يوم النحر عند أبي حنيفة سواء كان محلا أو محرما، ويكبر للعصر ثم يقطع، وعصر آخر أيام التشريق عند محمد وأبي يوسف، وهو قول أحمد والأظهر عند الشافعي، وفي قوله الآخر: صبح آخر أيام التشريق، وهو قول مالك، قالوا: لأن الناس تبع للحاج، وهم يقطعون التلبية يوم النحر [ ص: 386 ] ضحى، ويبتدئون التكبير من صلاة الظهر، وينتهي تكبيرهم بصلاة الصبح آخر أيام التشريق، والناس تبع لهم، وأجاب أصحابنا بعدم تسليم ادعاء التبعية، بل المسلمون أصول الحكم في هذا الحكم، ونقل ابن هبيرة عن أحمد: إن كان محلا فمثل قول أبي حنيفة في المبدأ، وفي المنتهى مثل قول الشافعي، وإن كان محرما فمثل قول مالك في المبدأ، وفي المنتهى مثل قول الشافعي .. اهـ .

ولأبي يوسف ومحمد ومن وافقهما ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف: حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن عاصم، عن شقيق، عن علي أنه كان يكبر بعد صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، ويكبر بعد العصر، وحدثنا وكيع، عن أبي خباب، عن عمير بن سعيد، عن علي مثله. وحدثنا جعفر بن عون، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك مثله. وحدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن أبي بكار، عن عكرمة، عن ابن عباس مثله. ورواه محمد بن الحسن في الآثار، فقال: حدثنا أبو حنيفة ، عن حماد، عن إبراهيم، عن علي مثله .

ولأبي حنيفة ومن وافقه ما رواه ابن أبي شيبة أيضا فقال: حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الأسود قال: كان عبد الله يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر. وحدثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن غيلان بن جابر، عن عمرو بن مرة، عن أبي وائل، عن عبد الله مثله. وحدثنا عبيدة بن حميد، عن منصور، عن إبراهيم، وقال غيره: عن يزيد بن أوس، عن علقمة مثله .

ودليل من قال إلى صلاة الظهر من آخر أيام التشريق ما رواه ابن أبي شيبة أيضا فقال: حدثنا أبو أسامة، عن أبي عوانة، عن حجاج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير أنه كان يكبر من صلاة الغداة يوم عرفة إلى صلاة الظهر من آخر أيام التشريق .

ودليل من قال إلى صلاة الظهر من يوم النحر ما رواه ابن أبي شيبة أيضا فقال: حدثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن عاصم أن أبا وائل كان يكبر من يوم عرفة صلاة الصبح إلى صلاة الظهر يعني من يوم النحر .

ودليل من قال: يبتدئ التكبير من ظهر يوم النحر إلى آخر أيام التشريق ما رواه ابن أبي شيبة أيضا، فقال: حدثنا يزيد ابن الحباب، أخبرنا أبو عوانة، عن عبد الحميد بن أبي رباح الشامي، عن رجل من أهل الشام، عن زيد بن ثابت أنه كان يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى آخر أيام التشريق يكبر في العصر. وحدثنا عفان، حدثنا أبو عوانة، عن عبد الحميد بن أبي رباح فذكر مثله، وحدثنا سهيل بن يوسف، عن حميد قال: كان عمر بن عبد العزيز يكبر فذكر مثله. وحدثنا وكيع، عن شريك، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس مثله. وحدثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الكريم، عن سعيد بن جبير مثله .

ودليل من قال: يبتدئ من ظهر يوم عرفة إلى صلاة الظهر من آخر أيام التشريق ما رواه ابن أبي شيبة أيضا فقال: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا ابن أبي ذئب، عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر من صلاة الظهر يوم عرفة إلى صلاة الظهر من آخر أيام التشريق، وروى أيضا عن يزيد بن هارون، عن حميد أن الحسن كان يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الظهر من النفر الأول .

وروى أيضا عن عبد الأعلى، عن برد، عن مكحول أنه كان يكبر في أيام التشريق في صلاة الظهر يوم عرفة إلى صلاة الفجر من آخر أيام التشريق .

فالحاصل أن المسألة مختلف فيها في عصر الصحابة، ومن بعدهم، فأخذ أبو يوسف ومحمد بالأ كثر للاحتياط في العبادة خصوصا في الذكر للأمر بإكثاره .

فإن قلت: فلم لم يخالفا أبا حنيفة في تكبيرات العيد حيث وافقاه فيها بالأقل؟

فالجواب بأنها يؤتى بها في الصلاة، وهي تصان عن الزوائد، وهذه عقيب الصلاة، وهو موضع الذكر والدعاء بالنص لقوله تعالى: فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب وإكثار الأذكار في مظانها أفضل، والله أعلم .




الخدمات العلمية