الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
يوم الاثنين .

روى جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : من صلى يوم الاثنين عند ارتفاع النهار ركعتين ، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي مرة ، وقل هو الله أحد ، والمعوذتين مرة مرة ، فإذا سلم استغفر الله عشر مرات ، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم عشر مرات غفر الله تعالى له ذنوبه كلها وروى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من صلى يوم الاثنين ثنتي عشرة ركعة ، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة ، فإذا فرغ قرأ قل هو الله أحد اثنتي عشرة ، واستغفر اثنتي عشرة مرة ، ينادى به يوم القيامة : أين فلان بن فلان ؟ ليقم ، فليأخذ ثوابه من الله عز وجل فأول ما يعطى من الثواب ألف حلة ويتوج ويقال له : ادخل الجنة ، فيستقبله مائة ألف ملك ، مع كل ملك هدية يشيعونه حتى يدور على ألف قصر من نور يتلألأ .

التالي السابق


( يوم الاثنين) قال في المصباح: والاثنان من أسماء العدد، اسم للتثنية، حذفت لامه، وهي ياء، والتقدير ثني مثل سبب، ثم عوض بهمزة وصل فقيل: اثنان كما قيل ابنان، وللمؤنث اثنتان، وفي لغة تميم ثنتان بغير همزة وصل، ثم سمي اليوم به فقيل: يوم الاثنين، ولا يثنى ولا يجمع، فإن أردت جمعه قدرته مفردا وجمعته على أثانين، وقال أبو علي الفارسي: وقالوا في جمع الاثنين أثنان، وكأنه جمع المفرد تقديرا مثل سبب وأسباب، وإذا عاد إليه ضمير جاز فيه الوجهان، أفصحهما الإفراد على معنى اليوم، يقال: مضى يوم الاثنين بما فيه، والثاني اعتبار اللفظ فيقال بما فيهما. اهـ .

( روى جابر ) رضي الله عنه ( عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من صلى يوم الاثنين عند ارتفاع النهار ركعتين، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي مرة، وقل هو الله أحد، والمعوذتين مرة، فإذا سلم استغفر الله عشر مرات، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم عشر مرات غفر الله له ذنوبه كلها) . قال صاحب القوت: رواه أبو الزبير عن جابر، وساق الحديث كما هنا، وقال العراقي : رواه أبو موسى المديني من حديث جابر، عن عمر [ ص: 374 ] مرفوعا، وهو حديث منكر. اهـ .

قلت: أورده ابن الجوزي في الموضوعات بزيادة على ما ذكره صاحب القوت والمصنف؛ قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد، أخبرنا الحسين بن إبراهيم هو الجوزقاني، أخبرنا محمد بن طاهر الحافظ، أخبرنا علي بن أحمد البندار، ح، وأنبأنا علي بن عبيد الله، قال: أخبرنا ابن بندار، حدثنا المخلص، حدثنا البغوي، حدثنا مصعب بن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صلى يوم الاثنين أربع ركعات، ثم ساقه إلى قوله: غفر الله ذنوبه كلها، وزاد: وأعطاه الله قصرا في الجنة من درة بيضاء في جوف القصر سبعة أبيات، طول كل بيت ثلاثة آلاف ذراع وعرضه مثل ذلك البيت الأول من فضة بيضاء، والبيت الثاني من ذهب، والبيت الثالث من لؤلؤ، والبيت الرابع من زمرد، والبيت الخامس من زبرجد، والبيت السادس من در، والبيت السابع من نور يتلألأ، وأبواب البيوت من العنبر، على كل باب ألف ستر من زعفران، وفي كل بيت ألف سرير من كافور، فوق كل سرير ألف فراش، فوق كل فراش حوراء خلقها الله تعالى من أطيب الطيب من لدن رجليها إلى ركبتيها من الزعفران الرطب، ومن لدن ركبتيها إلى ثدييها من المسك الأذفر، ومن لدن ثدييها إلى عنقها من العنبر الأشهب، ومن لدن عنقها إلى مفرق رأسها من الكافور الأبيض، على كل واحدة منهن سبعون ألف حلة من حلل الجنة كأحسن ما رأيت، ثم قال: هذا حديث موضوع بلا شك، وكنت أتهم به الحسين بن إبراهيم، والآن فقد زال الشك؛ لأن الإسناد كلهم ثقات، وإنما هو الذي قد وضع هذا، وعمل هذه الصلوات كلها، وقد ذكر صلاة ليلة الثلاثاء، وصلاة يوم الثلاثاء، وصلاة ليلة الأربعاء، وصلاة يوم الأربعاء، وصلاة ليلة الخميس، وصلاة ليلة الجمعة، وكل ذلك من هذا الجنس الذي تقدم فأضربت عن ذكره؛ إذ لا فائدة في تضييع الزمان بما لا يخفى وضعه، ولقد كان لهذا الرجل يعني به الجوزقاني حظ من علم الحديث؛ فسبحان من يطمس على القلوب! اهـ .

وأورده الحافظ السيوطي في اللآلئ المصنوعة هكذا بإسناد الجوزقاني، وبتعلية ابن الجوزي، ونقل عبارته التي أوردتها وقال: قلت: قال الحافظ ابن حجر في اللسان: العجب أن ابن الجوزي يتهم الجوزقاني بوضع هذا المتن على هذا الإسناد، ويسرده من طريقه الذي هو عنده مركب، ثم يعليه بالإجازة، عن علي بن عبد الله، وهو ابن الزعفراني، عن علي بن بندار، وهو ابن البشري، ولو كان ابن البشري حدث به لكان على شرط الصحيح، إذا لم يسبق للجوزقاني الذي اتهمه به في الإسناد مدخل، وهذه غفلة عظيمة، فلعل الجوزقاني دخل عليه إسناد في إسناد؛ لأنه كان قليل الخبرة بأحوال المتأخرين، وجل اعتماده في كتاب الأباطيل على المتقدمين إلى عهد ابن حبان، وأما من تأخر عنه فيعل الحديث بأن رواته مجاهيل، وقد يكون أكثرهم مشاهير، وعليه في كثير منه مناقشات، والله أعلم.. اهـ .

قلت: والذي ظهر لي من مجموع ما ذكر، يروى عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة أبي الزبير عنه كما في القوت، وعن جابر، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي موسى، وعن ابن عمر كما عند الجوزقاني؛ فالذي رواه أبو الزبير، عن جابر القدر الذي ذكره المصنف تبعا لصاحب القوت، وليست فيه الزيادة المذكورة التي في حديث ابن عمر ، فلعل إنكار ابن الجوزي على الجوزقاني بسبب تلك الزيادة التي لا تخفى على من له مساس بالعلم أنها موضوعة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا حديث أبي الزبير عن جابر لا نحكم عليه بأنه موضوع، بل ضعيف، والله أعلم .

( وروى أنس بن مالك ) رضي الله عنه ( عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من صلى يوم الاثنين اثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة، فإذا فرغ) من صلاته ( قرأ قل هو الله أحد اثنتي عشرة مرة، واستغفر الله اثنتي عشرة مرة، ينادى به يوم القيامة: أين فلان ابن فلان؟ ليقم، فليأخذ ثوابه من الله) عز وجل ( فأول ما يعطى من الثواب ألف حلة) ، والحلة إزار ورداء، ( ويتوج) أي يكسى التاج على رأسه، ( ويقال له: ادخل الجنة، فيستقبله مائة ألف ملك، مع كل ملك هدية يشيعونه) . كذا في النسخ، ولفظ القوت يسعون به ( حتى يدور على ألف قصر [ ص: 375 ] من نور يتلألأ) . هكذا أورده صاحب القوت، وقال ثابت البناني ، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فساقه. وقال العراقي : رواه أبو موسى المديني بغير إسناد، وهو منكر. اهـ .

ورأيت طرة بخط الإمام شمس الدين الحريري ابن خال القطب الخضيري على هامش نسخة الإحياء ما نصه: قد صنف الشيخ أبو الحسن علي بن يوسف الهكاري المعروف بشيخ الإسلام كتابا أسماه بفضائل الأعمال وأوراد العمال ذكر فيه عجائب وغرائب من هذه الأحاديث ومن غيرها مرتبة الليالي والأيام بأسانيد مظلمة، إذا نظر العارف فيها قضى العجب، وساقها بأسانيد له، وقد ذكره الذهبي في ميزانه، وذكر ابن عساكر أنه لم يكن موثوقا به، وذكره ابن السمعاني في الأنساب، وذكر شيوخه، ووفاته بعد الثمانين وأربعمائة، فلعل الغزالي نقل عنه. اهـ .

قلت: هذا الرجل قد ذكره الذهبي أيضا في العبر، فقال شيخ الإسلام الهكاري أبو الحسن علي بن أحمد بن يوسف الأموي من ذرية عتبة بن سفيان بن حرب، وكان صالحا زاهدا ربانيا ذا وقار وهيبة وأتباع ومريدين، دخل في الحديث، وسمع من أبي عبد الله بن نطيف الفراء، وأبي القاسم بن بشران، وطائفة، قال ابن ناصر : توفي في أول سنة 486، وقال ابن عساكر : لم يكن موثقا في روايته، قال الذهبي : مولده 409. اهـ .

وأما ما ذكر من أن الغزالي أخذ منه فليس ببعيد، ولكن الصحيح أن الغزالي في سياق ما يذكر في كتابه من هذه الأحاديث، وغيرها لأبي طالب المكي صاحب القوت قاصر نظره عليه، لا يكاد يتعداه، كما يعلم ذلك من نظر في الكتابين، والله أعلم .




الخدمات العلمية