الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وروي أن الله تعالى أوحى إلى يعقوب عليه السلام أتدري لم فرقت بينك وبين ولدك يوسف ؟ قال : لا . قال لقولك لإخوته : أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون ، لم خفت عليه الذئب ولم ترجني ولم نظرت إلى غفلة إخوته ولم تنظر إلى حفظي له ? وتدري لم رددته عليك ? قال : لا . قال : لأنك رجوتني ، وقلت : عسى الله أن يأتيني بهم جميعا وبما قلت اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله وكذلك لما قال يوسف لصاحب الملك : اذكرني عند ربك ، قال الله تعالى : فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين .

وأمثال هذه الحكايات لا تنحصر ولم يرد بها القرآن والأخبار ورود الأسمار بل الغرض بها الاعتبار والاستبصار ; لتعلم أن الأنبياء عليهم السلام لم يتجاوز عنهم في الذنوب الصغار ، فكيف يتجاوز عن غيرهم في الذنوب الكبار نعم كانت سعادتهما في أن عوجلوا بالعقوبة ولم يؤخروا إلى الآخرة والأشقياء يمهلون ليزدادوا إثما ولأن عذاب الآخرة أشد وأكبر فهذا أيضا مما ينبغي أن يكثر جنسه على أسماع المصرين فإنه نافع في تحريك دواعي التوبة .

التالي السابق


(وروي أن الله تعالى أوحى إلى يعقوب عليه السلام) ، ولفظ القوت: ولقد روينا في خبر غريب: أن الله تعالى أوحى إلى يعقوب عليه السلام (أتدري لم فرقت بينك وبين ولدك يوسف؟ قال: لا. قال لقولك لإخوته: إني أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون، لم خفت عليه الذئب ولم ترجني) له؟ (ولم نظرت إلى غفوة إخوته ولم تنظر إلى حفظي له ؟) كذا في القوت، زاد عليه المصنف فقال: (وتدري لم رددته عليك؟ قال: لا. قال: لأنك رجوتني، وقلت: عسى الله أن يأتيني بهم جميعا وبما قلت) يا بني ( اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله ) قال السدي: لما ذكر يعقوب بين يدي يوسف عليهما السلام، قال: ومن يعقوب غضب روبيل، وقال: أيها الملك، لا تذكرن يعقوب; فإنه سري الله ابن ذبيح الله ابن خليل الله فقال يوسف: إنك إذن إن كنت صادقا، فإذا أتيتم أباكم فاقرؤوا عليه مني السلام، وقولوا له: إن ملك مصر يدعو لك أن لا تموت حتى ترى ولدك يوسف حتى يعلم أبوك أن في الأرض صديقين مثله، ثم إنه أقام روبيل بمصر، وأقبل التسعة إلى يعقوب فأخبروه بالخبر فبكى، وقال: يا بني ما تذهبون من مدة إلا تنقصتم واحدا; ذهبتم فتنقصتم يوسف، ثم ذهبتم الثانية فنقصتم شمعون، ثم ذهبتم الثالثة فنقصتم بنيامين وروبيل، فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم ، وقال: ما يكون في الأرض صديق إلا ابني فطمع وقال: لعله يوسف، ثم قال: يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه بمصر، ولا تيأسوا من روح الله، فإن من روح الله أن يرد يوسف.

وروى إسحاق بن راهويه في تفسيره، وابن أبي الدنيا في كتاب الفرج بعد الشدة، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والطبراني في الأوسط، وابن مردويه، والحاكم، والبيهقي في الشعب من حديث أنس: أتى جبريل إلى يعقوب عليه السلام، وقال: إن الله يقرئك السلام، ويقول لك: أتدري لم أذهبت بصرك، وقوست ظهرك، وصنع إخوة يوسف به ما صنعوا، إنكم ذبحتم شاة فأتاكم مسكين وهو صائم، فلم تعطوه منها شيئا، فكان يعقوب إذا أراد الغداء أمر مناديا ينادي ألا من أراد الغداء من [ ص: 617 ] المساكين، فليتغد مع يعقوب، وإذا كان صائما أمر مناديا فنادى: ألا من كان صائما من المساكين فيفطر مع يعقوب، (وكذلك لما قال يوسف لصاحب الملك: اذكرني عند ربك، قال الله تعالى: فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين) ، ولفظ القوت بعد قوله: ولم تنظر إلى حفظي له، فهذا على معنى قول يوسف: اذكرني عند ربك، قال الله تعالى: فأنساه الشيطان ذكر ربه الآية، فهذا مما يغيب على الخصوص من خفي سكونهم، ولمح نظرهم إلى ما سوى الله تعالى (وأمثال هذه الحكايات لا تنحصر) لكثرتها (ولم يرد بها القرآن والأخبار ورود الأسمار) أي الحكايات التي يسمر بها في المجالس، (بل الغرض بها الاعتبار والاستبصار; لتعلم أن الأنبياء عليهم السلام) مع جلالة قدرهم عند الله تعالى (لم يتجاوز عنهم في الذنوب الصغار، فكيف يتجاوز عن غيرهم في الذنوب الكبار) فليعتبر بذلك العبد، ويكون على غاية الوجل (نعم كانت سعادتهم في أن عوجلوا بالعقوبة) بما ابتلوا فيه في الدنيا، (ولم يؤخروا إلى الآخرة) ، فهؤلاء هم السعداء، (وأما الأشقياء) المحرومون (فإنهم يمهلون) إلى الآخرة (ليزدادوا إثما) على إثم; (ولأن عذاب الآخرة أشد وأكبر) من عذاب الدنيا، (فهذا أيضا مما ينبغي أن يكثر جنسه على أسماع المصرين) على ذنوبهم (فإنه نافع في تحريك دواعي التوبة) إن شاء الله تعالى .




الخدمات العلمية