الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
السادس : أن لا يمر بين يدي الناس ، ويجلس حيث هو إلى قرب أسطوانة أو حائط حتى لا يمرون بين يديه ؛ أعني بين يدي المصلي ، فإن ذلك لا يقطع الصلاة ولكنه منهي عنه قال صلى الله عليه وسلم : لأن يقف أربعين عاما خير له من أن يمر بين يدي المصلي وقال صلى الله عليه وسلم : لأن يكون الرجل رمادا أو رميما تذروه الرياح خير من أن يمر بين يدي المصلي وقد روي في حديث آخر في المار ، والمصلي حيث صلى على الطريق أو قصر في الدفع فقال لو يعلم المار بين يدي المصلي ، والمصلي ما عليهما في ذلك لكان أن يقف أربعين سنة خيرا له من أن يمر بين يديه والأسطوانة ، والحائط ، والمصلى المفروش حد للمصلي فمن اجتاز به فينبغي أن يدفعه قال صلى الله عليه وسلم : ليدفعه ، فإن أبى فليدفعه فإن أبى ، فليقاتله ، فإنه شيطان وكان أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يدفع من يمر بين يديه حتى يصرعه ، فربما تعلق به الرجل فاستعدى عليه عند مروان فيخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك فإن لم يجد أسطوانة فلينصب بين يديه شيئا طوله قدر ذراع ليكون ذلك علامة لحده .

التالي السابق


(السادسة: أن لا يمر بين أيدي) ، أي: وسط (الصفوف، ويجلس هو) بنفسه (إلى) موضع (قريب من أسطوانة) ، وهي العمود معرب أستون، وهذا إن لم يكن في الصف الأول (أو حائط) ، أي: جدار إذا كان في الصف الأول (حتى لا يمرون بين يديه؛ أعني بين يدي المصلي، فإن ذلك) ، أي: جلوسه إلى عمود، أو حائط (لا يقطع الصلاة) على المصلي (ولكنه منهي عنه) ، ولفظ القوت: وليحذر بين يدي المصلي، وإن كان مروره لا يقطع الصلاة، ثم قال بعد ذلك: وليدن المصلي من أسطوانة، أو جدار، فإذا فعل ذلك، فلا يدعن أحدا أن يمر بين يديه، وليدفعه ما استطاع (قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لأن يقف أربعين سنة) ، وفي نسخة: عاما (خير له من أن يمر بين يدي المصلي) .

قال العراقي: رواه البزار من حديث زيد بن خالد، وفي الصحيحين: أن يقف أربعين. قال ابن النضر: لا أدري أربعين يوما، أو شهرا، أو سنة، ولابن ماجه، وابن حبان من حديث أبي هريرة: مائة عام. اهـ .

قلت: وحديث أبي جهم أخرجه أيضا الأربعة في السنن، وهو في الموطأ لمالك، ومن حديثه في المعجم الصغير للطبراني: لكان أن يقوم حولا خير له من الخطوة التي خطاها. قال الطبراني: تفرد به أبو قتيبة، عن سفيان، وأخرجه أحمد، وابن ماجه من حديث أبي هريرة: لو يعلم أحدكم ما له في أن يمر بين يدي أخيه معترضا في الصلاة كان لأن يقيم مائتي عام خير له من الخطوة التي خطا، ولفظ زيد بن خالد رواه أيضا أحمد، وابن ماجه، والدارمي، والروياني، والضياء، لكنهم قالوا: "لأن يقوم" بدل "يقف" .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: لأن يكون الرجل رمادا رمديدا) بكسر الراء، وسكون الميم، ودال مكسورة، ثم تحتية ساكنة؛ تأكيد لرماد، وقيل: معناه رميما، وفي نسخة: رمددا (تذروه الرياح) ، أي: تنسفه (خير له من أن يمر بين يدي المصلي) ، كذا في القوت، قال العراقي: أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان، وابن عبد البر في التمهيد موقوفا على عبد الله بن عمرو، وزاد متعمدا. اهـ .

(و) قد (سوى في حديث آخر بين المار، والمصلي حيث صلى على الطريق) في الوعيد الشديد (واقتصر في الدفع) ، وفي نسخة: أو قصر في الدفع (فقال) -صلى الله عليه وسلم-: (لو يعلم المار بين يدي المصلي، والمصلي ما عليهما في ذلك لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه) أورده صاحب القوت من حديث زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه-، وقال العراقي: رواه هكذا أبو العباس محمد بن إسحاق في مسنده من حديث زيد بن خالد بإسناد صحيح. اهـ .

ولكن في المعجم الصغير للطبراني: لو يعلم المار بين يدي الرجل وهو يصلي ماذا عليه لكان أن يقف. الحديث، وهذا لا يفهم منه

[ ص: 263 ] التسوية بين المار والمصلي (والأسطوانة، والحائط، والمصلى المفروش) ، سواء كان من خوص، أو صوف، أو قماش، أو غير ذلك كالنمارق، والطنافس (حد المصلي) الذي حده، لكن ينبغي أن يكون قريبا من الجدار، أو السارية (فمن اجتاز به) ، أي: مر عليه في هذا الحد (فينبغي أن يدفعه) بيده إن أمكنه (قال -صلى الله عليه وسلم-: ليدفعه، فإن أبى، فليقاتله، فإنه شيطان) ، كذا في القوت من حديث عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه مرفوعا، والحديث متفق عليه، عن أبي سعيد، ولم يذكر المصنف الحديث بتمامه، وهو في الصحيحين، وأخرجه الطحاوي، عن يونس، عن ابن وهب أن مالكا أخبره عن زيد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا كان أحدكم يصلي فلا يدعن أحدا يمر بين يديه، وليدرأه ما استطاع، فإن أبى، فليقاتله، فإنما هو شيطان. وأخرجه أيضا من طريق عطاء بن يسار، عن زيد بن أسلم مثله، ومن طريق حميد بن هلال، عن أبي صالح، عن أبي سعيد نحوه .

وأخرج أيضا من طريق الضحاك بن عثمان، عن صدقة، عن ابن عمر بلفظ: فإن أبى فليقاتله، فإن معه القرين. ثم قال صاحب القوت: (وكان أبو سعيد الخدري) سعد بن مالك بن سنان الخزرجي الأنصاري (رضي الله عنه) ، وخدرة لقب جده السادس، من نجباء الصحابة، وعلمائهم مات سنة أربع وسبعين بالمدينة، عن أربع وستين. روى له الجماعة (يدفع من يمر بين يديه حتى يصرعه، فربما تعلق به الرجل فاستعدى عليه مروان) بن الحكم بن أبي العاص الأموي أمير المدينة؛ أي: شكاه عن دفعه إياه فيطلبه مروان، ويعاتبه، ويقول ما لك ولابن أخيك فلان (فيخبره) أبو سعيد (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره بذلك) قال الطحاوي: وهذا القتال المذكور في حديث أبي سعيد، وابن عمر من المصلي لمن أراد المرور بين يديه يحتمل أنه كان مباحا في وقت كانت الأفعال فيه مباحة في الصلاة، ثم نسخ ذلك بنسخ الأفعال في الصلاة، فقد روي عن علي، وعثمان أنهما قالا: لا يقطع صلاة المسلم شيء فادرؤوا ما استطعتم.

وأخرج من طريق بشر بن سعيد، وسليمان بن يسار، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنه كان في صلاة، فمر به سليط بن أبي سليط، فجذبه إبراهيم، فخر فشج، فذهب إلى عثمان بن عفان فأرسل إلي، فقال لي: ما هذا، فقلت: مر بين يدي فرددته كأنه أراد يقطع صلاتي، قال: أويقطع صلاتك؟ قلت: أنت أعلم، قال: إنه لا يقطع صلاتك (فإن لم يجد) المصلي (أسطوانة) ، ولم يتفق له ذلك (فلينصب بين يديه شيئا) ، ويكون (طوله قدر الذراع) ، وفي القوت: عظم الذراع (ليكون ذلك علامة لحده) ، وقيل: إن كان حبلا ممدودا، فجائز أن يكون بينه وبين المارة، كذا في القوت، ثم أورد: أربع من الجفاء، وذكر فيهم: أن يصلي في سبيل من يمر بين يديه. والله أعلم .




الخدمات العلمية