الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وتأكل طرف من أطراف بعضهم واحتيج فيه إلى القطع ، فلم يمكن منه ، فقيل : إنه في الصلاة لا يحس بما يجري عليه فقطع ، وهو في الصلاة .

وقال بعضهم الصلاة من الآخرة ، فإذا دخلت فيها خرجت من الدنيا وقيل لآخر : هل تحدث نفسك بشيء من الدنيا في الصلاة فقال ؟ : لا في الصلاة ، ولا في غيرها .

وسئل بعضهم : هل تذكر في الصلاة شيئا ؟ فقال : وهل شيء أحب إلي من الصلاة فأذكره فيها وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول من : فقه الرجل أن يبدأ بحاجته قبل دخوله في الصلاة ، ليدخل في الصلاة وقلبه فارغ .

وكان بعضهم يخفف الصلاة خيفة الوسواس وروي أن عمار بن ياسر صلى صلاة فأخفها فقيل له : خففت يا أبا اليقظان ، فقال : هل رأيتموني نقصت من حدودها شيئا ؟ قالوا : لا ، قال : إني بادرت سهو الشيطان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له نصفها ، ولا ثلثها ، ولا ربعها ، ولا خمسها ، ولا سدسها ، ولا عشرها " وكان يقول إنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها ويقال : إن طلحة ، والزبير وطائفة من الصحابة رضي الله عنهم كانوا أخف الناس صلاة ، وقالوا نبادر بها وسوسة الشيطان .

وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال على المنبر : إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام ، وما أكمل لله تعالى صلاة قيل : وكيف ذلك ؟ قال : لا يتم خشوعها وتواضعها ، وإقباله على الله عز وجل فيها وسئل أبو العالية عن قوله تعالى : الذين هم عن صلاتهم ساهون قال : هو الذي يسهو في صلاته ، فلا يدري على كم ينصرف ؛ أعلى شفع أم على وتر وقال الحسن هو الذي يسهو عن وقت الصلاة حتى تخرج .

وقال بعضهم هو الذي إن صلاها في أول الوقت لم يفرح ، وإن أخرها عن الوقت لم يحزن فلا يرى تعجيلها خيرا ، ولا تأخيرها إثما .

التالي السابق


(وتأكل طرف من أطراف بعضهم واحتيج إلى القطع ، فلم يمكن منه ، فقيل : إنه في الصلاة لا يحس بما يجري عليه ، فقطعت) ، وفي نسخة : فقطع منه ذلك الطرف (وهو في الصلاة) .

قلت : المراد به عروة بن الزبير عم عامر بن عبد الله الذي تقدم ذكره ، وأسند المزني في التهذيب عن هشام بن عروة قال : وقعت الأكلة في رجله ، فقيل له : ألا ندعو لك طبيبا ؟ قال : إن شئتم ، فجاء الطبيب ، فقال : أسقيك شرابا يزول فيه عقلك ؟ فقال : امض لشأنك ؛ ما ظننت أن خلقا يشرب شرابا يزول فيه عقله حتى لا يعرف ربه . قال : فوضع المنشار على ركبته اليسرى ونحن حوله فما سمعنا له حسا ، فلما قطعناها جعل يقول : لئن أخذت لقد أبقيت ، ولئن أبليت قد عافيت ، وما ترك حزبه من القراءة تلك الليلة ، وكان ربع القرآن نظرا في المصحف ، وكان يصوم الدهر كله إلا يوم الفطر والنحر ، ومات وهو صائم ، وليس في المزني تصريح بأنه قطع عنه ذلك العضو وهو في الصلاة .

وروي من طريق ابن شوذب قال : كان وقع في رجله - يعني عروة - الأكلة فنشرها ، ومن طريق هشام أيضا خرج عروة إلى الوليد بن عبد الملك ، فخرجت برجله أكلة ، فقطعها .

(وقال بعضهم) ، ونص القوت : وقال بعض العلماء المصلين : (الصلاة من الآخرة ، فإذا دخلت في الصلاة خرجت من الدنيا) . هكذا أورده صاحب القوت . (وقيل لآخر : هل تحدث نفسك بشيء من الدنيا في الصلاة ؟ قال : لا في الصلاة ، ولا في غيرها) ، كذا أورده صاحب القوت ، والعوارف (وسئل بعضهم : هل تذكر في الصلاة شيئا ؟ فقال : وهل شيء أحب إلي من الصلاة فأذكره فيها) ، كذا أورده صاحب القوت (وكان أبو الدرداء - رضي الله عنه - يقول : من

[ ص: 169 ] فقه الرجل أن يبدأ بحاجته قبل دخوله في الصلاة ، ليدخل في الصلاة وقلبه فارغ) . هكذا أورده صاحب القوت والمعارف ؛ أي : إن ذلك من فهمه في الدين ، واتباعه طريق المسلمين (وكان بعضهم يخفف الصلاة خيفة الوسواس ) ، أي : يتقي خطرة الوساوس فيبادر بإتمامها (وروي أن عمار بن ياسر) بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس العنسي أبو اليقظان ، أمه سمية ، من لخم ، من خيار الصحابة ، ونجبائها ، وقتل بصفين مع علي ، وله ثلاث وتسعون سنة في محفة ، والذي قتله أبو غاربة المزني ، ودفن بصفين ، وروى له الجماعة .

(صلى) يوما (صلاة فأخفها) ، أي : لم يطول فيها (فقيل له : خففت يا أبا اليقظان ، فقال : هل رأيتموني نقصت من حدودها شيئا ؟ قالوا : لا ، قال : إني بادرت سهو الشيطان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له نصفها ، ولا ثلثها ، ولا ربعها ، ولا خمسها ، ولا سدسها ، ولا عشرها ") . هكذا أورده صاحب القوت ، وأخرجه أحمد بإسناد صحيح ، وتقدم المرفوع منه ، وهو عند أبي داود ، والنسائي (وكان يقول) ، أي : عمار بن ياسر (إنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها) . هكذا أورده صاحب القوت ، وهو من قول عمار ، وليس بمرفوع (ويقال : إن طلحة ، والزبير ) كلاهما من العشرة الكرام (وطائفة من الصحابة - رضي الله عنهم) ، ونص القوت : ويقال : إن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم طلحة ، والزبير (كانوا أخف الناس صلاة ، وقالوا) لما سئلوا عن ذلك (نبادر بها وسوسة الشيطان ، وروي عن عمر بن الخطاب ) ، ونص القوت : وروينا عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أنه (قال) وهو (على المنبر : إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام ، وما أكمل لله صلاة) ، ونص القوت : وما أكمل صلاته (قيل : وكيف ذلك ؟ قال : لا يتم خشوعها) ، وإخباتها (وتواضعها ، وإقباله على الله تعالى فيها) . هكذا أورده صاحب القوت ، والعوارف (وسئل أبو العالية) رفيع بن مهران الرياحي البصري ، أسلم بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنتين ، ودخل على أبي بكر الصديق ، وصلى خلف عمر بن الخطاب ، وهو مجمع على ثقته .

قال أبو بكر بن أبي داود : ليس أحدهم بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبي العالية . مات سنة تسعين . روى له الجماعة (عن قوله تعالى : الذين هم عن صلاتهم ساهون ) ، أي : عن تفسير الساهي ماذا هو ؟ (قال : هو الذي يسهو عن صلاته ، فلا يدري على كم ينصرف ؛ أعلى شفع أم على وتر) ، كذا أورده صاحب القوت .

(وقال الحسن) البصري لما سئل عن تفسير هذا القول : هو (الذي يسهو عن وقت الصلاة حتى يخرج) وقتها ، وكان يقول : أما والله لو تركوها لكفروا ، ولكن سهوا عن الوقت .

(وقال بعضهم) ، أي : غيرهما من السلف (هو الذي إن صلاها في أول الوقت) ، وفي الجماعة (لم يفرح ، وإن أخرها عن أول الوقت لم يحزن) ، ونص القوت : وإن صلاها بعد الوقت لم يحزن (فلا يرى) ، وجعله صاحب القوت قولا آخر لبعضهم ، فقال : وقيل : معناه هو الذي لا يرى (تعجيلها برا ، ولا تأخيرها إثما) ، ولما كان هذا القول راجعا في المعنى إلى ما قبله لم يأت به مستقلا .




الخدمات العلمية