الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ويضع يديه على فخذيه والأصابع منشورة ولا يتكلف ضمها ولا تفريجها .

ويقول رب اغفر لي وارحمني وارزقني واهدني ، واجبرني ، وعافني واعف عني ولا يطول هذه الجلسة إلا في سجود التسبيح .

ويأتي بالسجدة الثانية كذلك .

التالي السابق


(ويضع يديه على فخذيه) قريبا من ركبتيه، وسيأتي الكلام عليه قريبا في التنبيه، (والأصابع منشورة) ، وفي "النهاية" لإمام الحرمين: ولو انعطفت أطرافها على الركبة فلا بأس، ولو تركها على الأرض من جانبي فخذه كان كإرسالهما في القيام، (ولا يتكلف ضمها ولا تفريجها) ، بل يرسلها على [ ص: 71 ] هيئتها (ويقول) في جلوسه: (رب اغفر لي وارحمني وارزقني واهدني، واجبرني، وعافني واعف عني) ، وهي سبع كلمات، ونص الرافعي : "اللهم اغفر لي واجبرني، وعافني، وارزقني، واهدني". وهي خمس كلمات، ونص "القوت": "ثم يقول: رب اغفر لي، وارحمني ثلاثا"، روي ذلك عن ابن عمر ، وإن قال: "رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، فإنك أنت الأعز الأكرم". فجائز، روي ذلك عن ابن مسعود، وإن قال: "رب اغفر لي، وارحمني واهدني واجبرني، وانعشني". فحسن، روي ذلك عن علي بن أبي طالب اهـ .

ولفظ الرافعي أخرجه الترمذي من حديث ابن عباس، إلا أنه لم يقل: "وعافني"، وأبو داود مثله إلا أنه أثبتها ولم يقل: واجبرني، وجمع ابن ماجه بين وارحمني واجبرني، وزاد: وارفعني، وجمع بينها الحاكم كلها إلا أنه لم يقل: وعافني .

قلت: وليس عند أبي حنيفة فيه ذكر مسنون، وما ورد فيه: "وفي حال القيام من الركوع..." فمحمول عنده على التهجد، (و) ينبغي (أن لا يطول هذه الجلسة) ؛لأنه ركن قصير على الأصح من حيث إنه ليس بمقصود عند البعض، بل للفصل والتمييز، وكذا الكلام في الاعتدال من الركوع، (إلا في سجود) صلاة (التسبيح) كما سيأتي في محله، وقد ذكر في الاعتدال عن الركوع مثل ذلك (ويأتي بالسجدة الثانية كذلك) أي: مثل الأولى في واجباتها ومندوباتها بلا فرق، وفي عبارات أصحابنا يفترض العود إلى السجود؛ لأن السجود الثاني كالأول فرض بإجماع الأمة، ثم إن الجلوس بين السجدتين مسنون عندنا، ومقتضى الدليل من المواظبة عليها الوجوب، لكن المذهب خلافه، وما في "شرح المنية" من أن الأصح وجوبها إن كان بالنظر إلى الدراية فمسلم، وإن كان من جهة الرواية فلا؛ لأن الشراح كلهم مصرحون بالسنية، كذا في "البحر" .



(تنبيه) :

الظاهر من روايات أصحابنا ما ذهب إليه الفقيه أبو الليث من افتراض وضع اليدين في السجود، وأن السجود لا يصح بدون وضع إحداهما، ومن المقرر أن العود للسجود فرض، ولا يتحقق إلا بما يتحقق السجدة السابقة، فيلزمه رفع اليدين بعد رفع رأسه من السجدة الأولى، ثم إعادة وضعهما أو إحداهما في السجدة الثانية لتصح السجدة الثانية، ويتحقق تكرار السجود، وبه وردت السنة، وقد نقل الحافظ جلال الدين السيوطي في "الينبوع" عن ابن العماد في "التعقبات" ما نصه: "إذا قلنا بوجوب وضع الأعضاء السبعة، فلا بد من الطمأنينة بها كالجبهة، ولا بد أن يضعها حالة وضع الجبهة حتى لو وضعها، ثم رفعها، ثم وضع الجبهة أو عكس لم يكف؛ لأنها أعضاء تابعة للجبهة، وإذا رفع الجبهة من السجدة الأولى وجب عليه رفع الكفين أيضا؛ لأن اليدين يسجدان كما تسجد الجبهة، فإذا سجدتم فضعوهما، وإذا رفعتم فارفعوهما". ولأصحاب مالك في ذلك قولان، وقال ابن العماد أيضا في كتاب آخر: يجب على المصلي إذا رفع رأسه من السجدة الأولى أن يرفع يديه من الأرض كما يرفع جبهته؛ لأن السجود يكون بهما مرتين كما يكون بالجبهة، وهذا ظاهر نص الشافعي في "الأم"، فإنه قال: إن القول بوجوب السجود على هذه الأعضاء هو الموافق للحديث، والثابت في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم: "كان إذا سجد ورفع رأسه من السجدة الأولى رفع يديه من الأرض، ووضعهما على فخذيه، وقال صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي". وعن ابن عمر رفعه: "أن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضعهما، وإذا رفعه فليرفعهما". أخرجه أبو داود والنسائي، وروى مالك في "الموطأ" عن ابن عمر أنه كان يقول: "من وضع جبهته بالأرض فليضع كفيه على الذي وضع عليه جبهته، وإذا رفع فليرفعهما، فإن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه"، اهـ كلام السيوطي. وقد فهم من هذا السياق أن رفع اليدين عن الأرض لا بد منه؛ ليتحقق تكرار السجود بهما كالجبهة .

وأما صفة وضعهما على الفخذين حالة الجلوس بين السجدتين فسنة، ومن أنكر هذا، فعليه الدليل لما يدعيه، وعليه رد قول الفقيه أبي الليث الذي قد حكيناه. والمخالف من الشافعية -كما قاله السيوطي؛ حيث قال: لا يشترط رفع اليدين عن الأرض لصحة السجدة الثانية- هو كالمخالف من الحنفية لما قاله أبو الليث فتأمل، والله أعلم .



(تنبيه) : آخر

حكمة تكرار السجود دون الركوع [ ص: 72 ] قيل: هو تعبدي لا يطلب فيه المعنى كأعداد الركعات، وعزاه شيخ الإسلام في "المبسوط" لأكثر المشايخ، وقال: منهم من يذكر لذلك حكمة فيقول: إنما كان السجود مثنى ترغيما للشيطان؛ فإنه أمر بالسجود فلم يفعل، فنحن نسجد مرتين ترغيما له، وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم في سجود السهو ترغيما للشيطان، وفي "معراج الدراية": لما أخذ الله الميثاق من ذرية آدم عليه السلام أمرهم بالسجود، فسجد المسلمون كلهم، وبقي الكافرون، فلما رفعوا رؤوسهم رأوا الكفار لم يسجدوا، فسجدوا ثانيا شكرا لما وفقهم الله تعالى إليه، فصار المفروض سجدتين، وزاد في "المستصفى شرح النافع": قيل إن الأولى لشكر نعمة الإيمان والأخرى لبقاء الإيمان، والله أعلم .




الخدمات العلمية