الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال بعض السلف : إذا أذنب العبد أمر صاحب اليمين صاحب الشمال ، وهو أمير عليه أن يرفع القلم عنه ست ساعات ، فإن تاب واستغفر لم يكتبها عليه ، وإن لم يستغفر كتبها وقال بعض السلف : ما من عبد يعصي إلا استأذن مكانه من الأرض أن تخسف له ، واستأذن سقفه من السماء أن يسقط عليه كسفا فيقول الله تعالى للأرض والسماء كفا : عن عبدي وأمهلاه فإنكما لم تخلقاه ، ولو خلقتماه لرحمتماه ، ولعله يتوب إلي فأغفر له ، ولعله يستبدل صالحا فأبدله له حسنات فذلك معنى قوله تعالى : إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الطابع معلق بقائمة العرش فإذا انتهكت الحرمات واستحلت المحارم أرسل الله الطابع فيطبع على القلوب بما فيها وفي حديث مجاهد : القلب مثل الكف المفتوحة كلما أذنب العبد ذنبا انقبضت إصبع حتى تنقبض الأصابع كلها فيسد على القلب فذلك هو الطبع وقال الحسن إن بين العبد وبين الله حدا من المعاصي معلوما ، إذا بلغه العبد طبع الله على قلبه ، فلم يوفقه بعدها لخير .

والأخبار والآثار في ذم المعاصي ومدح التائبين لا تحصى ، فينبغي أن يستكثر الواعظ منها إن كان وارث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه ما خلف دينارا ولا درهما إنما خلف العلم والحكمة وورثه كل عالم بقدر ما أصابه .

التالي السابق


(وقال بعض السلف: إذا أذنب العبد أمر صاحب اليمين صاحب الشمال، وهو أمير عليه أن يرفع القلم عنه ست ساعات، فإن تاب) إلى الله تعالى (واستغفر) من ذنبه، (لم يكتبها عليه، وإن لم يستغفر كتبها) نقله صاحب القوت .

(وقال بعض السلف: ما من عبد يعصي إلا استأذن مكانه من الأرض أن يخسف به، واستأذن سقفه من السماء أن يسقط عليه كسفا) أي: قطعا، (فيقول الله تعالى للأرض والسماء: كف عن عبدي) أي: امتنعا منه، (وأمهلاه فإنكما لم تخلقاه، ولو خلقتماه لرحمتماه، ولعله يتوب إلي فأغفر له، ولعله يستبدل صالحا فأبدله له حسنات فذلك معنى قوله تعالى: إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ) إنه كان حليما عن معاصيهم، غفورا لمساويهم، نقله صاحب القوت إلا أنه قال: وفي خبر: "ما من عبد يعصي" فساقه قال، وقيل في تفسير ذلك: إن الله تعالى إذا نظر إلى معاصي العباد وغضب [ ص: 613 ] فترجف الأرض، وتضطرب السماء فتنزل ملائكة السماء فتمسك أطراف الأرض، وتصعد ملائكة الأرض فتمسك أطراف السماء، ولا يزالون يقرؤون: قل هو الله أحد حتى يسكن غضبه فذلك قوله سبحانه: إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ، وقال بعض السلف: إذا ضرب الناقوس في الأرض ودعي بدعاء الجاهلية: اشتد غضب الرب، فإذا نظر إلى صبيان المكاتب، ورأى عمار المسجد، وسمع أصوات المؤذنين، وقيل: نظر إلى المتحابين في الله، والمتزاورين فيه حلم وغفر فذلك قوله إنه كان حليما غفورا ، وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه كذا في نسخ الكتاب، والصواب في حديث ابن عمر، وهكذا هو في القوت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الطابع) بالكسر ما يطبع به (معلق بقائمة من قوائم العرش) ، ولفظ القوت: بساق العرش (فإذا انتهكت الحرمات واستحلت المحارم أرسل الله الطابع فيطبع على القلوب بما فيها) قيل: هو على سبيل المجاز والاستعارة، ذكره الزمخشري، وقال البغوي في شرح السنة: والأقوى إجراؤه على الحقيقة لنقد المانع والتأويل، لا يصار إليه إلا لمانع. قال العراقي: رواه ابن عدي، وابن حبان في الضعفاء من حديث ابن عمر، وهو منكر اهـ. قلت: ورواه أيضا البزار في مسنده، والبيهقي في السنن والديلمي، ولفظهم جميعا: الطابع معلق بقائمة العرش، فإذا انتهكت الحرمة، وعمل بالمعاصي، واجترئ على الله بعث الله الطابع فيطبع على قلبه، فلا يعقل بعد ذلك شيئا.

وقول العراقي هو منكر; لأن فيه سليمان بن مسلم الخشاب، قال الذهبي في الميزان: لا تحل الرواية عنه إلا للاعتبار، وساق من مناكيره هذا الجزء، وأعاده في محل آخر، وقال: هو موضوع مفترى، ووافقه الحافظ ابن حجر في اللسان، ولكن اقتصر المنذري على تضعف هذا الخبر، وزاد الهيتمي فقال فيه: سليمان الخشاب ضعيف جدا، (وفي حديث مجاهد: القلب مثل الكف المفتوحة كلما أذنب العبد ذنبا انقبضت أصبع حتى تنقبض الأصابع كلها فيسد على القلب فذلك هو الطبع) هكذا هو في القوت فتشبك على القلب، وفي نسخة منه كما عند المصنف، قال العراقي: كأنه أراد به قول مجاهد، وكذا ذكره المفسرون من قوله، وليس بمرفوع. وقد روينا في شعب الإيمان للبيهقي من حديث حذيفة، وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى (إن بين العبد وبين الله حدا من المعاصي معلوما، إذا بلغه العبد طبع الله على قلبه، فلم يوفقه بعدها لخير) نقله صاحب القوت (والأخبار والآثار في ذم المعاصي ومدح التائبين لا تحصى، فينبغي أن يستكثر الواعظ) منها في سياق وعظه (إن كان وارث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه) صلى الله عليه وسلم (ما خلف دينارا ولا درهما) قال العراقي: رواه البخاري من حديث عمرو بن الحارث قال: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته دينارا ولا درهما ولا أمة، ولمسلم من حديث عائشة: ما ترك دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا اهـ. (إنما خلف العلم والحكمة) هذا في حديث أبي الدرداء أن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم... الحديث، وقد تقدم في كتاب العلم (وورثه كل عالم بقدر ما أصابه) ، وقدر له من الأزل .




الخدمات العلمية