الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي الخبر إن لله عز وجل في كل جمعة ستمائة ألف عتيق من النار وفي حديث أنس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : إذا سلمت الجمعة سلمت الأيام وقال صلى الله عليه وسلم : إن الجحيم تسعر في كل يوم قبل الزوال عند استواء الشمس في كبد السماء فلا تصلوا في هذه الساعة ، إلا يوم الجمعة ، فإنه صلاة كله ، وإن جهنم لا تسعر فيه .

وقال كعب إن الله عز وجل فضل من البلدان مكة ، ومن الشهور رمضان ، ومن الأيام الجمعة ، ومن الليالي ليلة القدر ويقال : إن الطير ، والهوام يلقى بعضها بعضا في يوم الجمعة فتقول ، سلام سلام يوم صالح وقال صلى الله عليه وسلم : من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة كتب الله له أجر شهيد ، ووقي فتنة القبر .

التالي السابق


(وفي الخبر أن لله - عز وجل - في كل يوم جمعة ستمائة ألف عتيق من النار) ، كذا في القوت ، وقال العراقي : أخرجه ابن عدي في الكامل ، وابن حبان في الضعفاء ، والبيهقي في الشعب من حديث أنس .

قال الدارقطني في العلل : والحديث غير ثابت (وفي حديث أنس) بن مالك - رضي الله عنه - (عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا سلمت الجمعة) ، أي : يومها من وقوع الآثام فيه (سلمت الأيام) ، أي : أيام الأسبوع من المؤاخذة ، كذا في القوت ، وقال العراقي : أخرجه ابن حبان في الضعفاء ، وأبو نعيم في الحلية ، والبيهقي في الشعب من حديث عائشة ، ولم أجده من حديث أنس . أهـ .

قلت : وأخرجه الدارقطني في الأفراد ، عن أبي محمد بن صاعد ، عن إبراهيم بن سعيد الجوهري ، عن عبد العزيز بن أبان ، عن سفيان الثوري ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة بلفظ : إذا سلمت الجمعة سلمت الأيام ، وإذا سلم رمضان سلمت السنة . أورده ابن [ ص: 217 ] الجوزي في الموضوعات ، وقال : تفرد به عبد العزيز ، وهو كذاب ، ورواه أبو نعيم في الحلية ، وقال : تفرد به إبراهيم بن سعيد الجوهري ، عن أبي خالد القرشي . أهـ . يعني به عبد العزيز المذكور ، ورواه البيهقي من طريق لا تصح أيضا ، وإنما يعرف هذا من حديث عبد العزيز ، عن سفيان ، وهو ضعيف بمرة ، وفي الميزان عبد العزيز بن أبان أحد المتروكين .

قال يحيى : كذاب خبيث ، حدث بأحاديث موضوعة ، وقال أبو حاتم : لا يكتب حديثه ، وقال البخاري : تركوه ، ثم ساق صاحب الميزان له الحديث ، وتعقب الحافظ السيوطي ابن الجوزي في ذكره إياه في الموضوعات ، ورد دعوى تفرد عبد العزيز به ، وأورده من طريق آخر ليس في سنده من تكلم فيه . والله أعلم .

(وقال - صلى الله عليه وسلم - : إن الجحيم تسعر) ، ولفظ القوت : إن جهنم تسعر (في كل يوم قبل الزوال عند استواء الشمس في كبد السماء) ، أي : وسطها (فلا تصلوا في هذه الساعة ، إلا في يوم الجمعة ، فإنه صلاة كله ، وإن جهنم لا تسعر فيه) قال المناوي : وسره أنه أفضل الأيام عند الله تعالى ، ويقع فيه من العبادة ، والابتهال ما يمنع تسجر النار فيه ، وكذا تكون معاصي أهل الإيمان فيه أقل منها في غيره ، حتى أن أهل الفجور ليمتنعون فيه مما لا يمتنعون منه في غيره ، وقال العراقي : أخرجه أبو داود في السنن ، عن أبي قتادة ، وأعله بالانقطاع . أهـ .

قلت : ولفظه : إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة ، وقد استنبط القرطبي من هذا الحديث جواز النافلة في يوم الجمعة عند قائم الظهيرة دون غيرها من الأيام .

(وقال كعب) الحبر - رحمه الله تعالى - (إن الله - عز وجل - فضل) من كل شيء خلقه شيئا ، ففضل (من البلدان مكة ، ومن الشهور رمضان ، ومن الأيام الجمعة ، ومن الليالي ليلة القدر) ، كذا في القوت (ويقال : إن الطير ، والهوام يلقى بعضها بعضا) في (يوم الجمعة ، فيقول سلام سلام يوم صالح) ، كذا في القوت ، والسر في ذلك أن الساعة - كما تقدم - تقوم يوم الجمعة بين الصبح ، وطلوع الشمس ، فما من دابة إلا وهي مشفقة من قيامها في صباح هذا اليوم ، فإذا أصبحن حمدن الله تعالى ، وسلمن على بعضهن ، وقلن يوم صالح حيث لم تقم فيها الساعة .

(وقال - صلى الله عليه وسلم - : من مات يوم الجمعة كتب له أجر شهيد ، ووقي فتنة القبر ) . قال العراقي : أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث جابر ، وهو ضعيف ، وللترمذي نحوه من حديث عبد الله بن عمرو ، وقال : غريب ، وليس إسناده بمتصل . قال العراقي : ووصله الترمذي الحكيم في النوادر بزيادة عياض بن عقبة الفهري بينهما ، وقيل : لم يسمع عياض أيضا من عبد الله بن عمرو ، وبينهما رجل من الصدف ، ورواه أحمد من رواية أبي قبيل ، عن عبد الله بن عمرو ، وفيه بقية بن الوليد . رواه بالعنعنة . أهـ .

ووجد بخط الحافظ ابن حجر في طرة الكتاب ما نصه : الرواية التي فيها رجل من الصدف رواها حميد بن زنجويه في الترغيب له من طريق ربيعة بن سيف ، عن عبد بن مجدم ، عن رجل من الصدف ، عن عبد الله بن عمر ، ورجح الخطيب هذا الطريق . أهـ .

قلت : ولفظ أبي نعيم في الليلة : من مات ليلة الجمعة ، أو يوم الجمعة أجير من عذاب القبر ، وجاء يوم القيامة وعليه طابع الشهداء .

وأخرج الشيرازي في الألقاب من حديث عمر بن الخطاب : من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة عوفي من عذاب القبر ، وجرى له عمله ، والله أعلم .




الخدمات العلمية