الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولا يصل آخر السورة بتكبير الهوي بأن يفصل بينهما بقدر قوله : سبحان الله ويقرأ في الصبح من السور الطوال من المفصل وفي المغرب من قصاره وفي الظهر والعصر والعشاء نحوه : والسماء ذات البروج وما قاربها .

التالي السابق


ثم قال المصنف: (ولا يصل آخر السورة بتكبير الهوي) بضم الهاء وكسر الواو وتشديد الياء أي: النزول، (بل يفصل بينهما) ، ويسكت (بقدر قوله: سبحان الله) ، وهو أحد الوجوه في تفسير قوله عليه السلام: "نهى عن المواصلة في الصلاة"، قال الخطيب في "شرح المنهاج": السكتات المندوبة في الصلاة أربع: سكتة للإمام بعد تكبيرة الإحرام يفتتح فيها، وسكتة بين "ولا الضالين" و"آمين"، وسكتة للإمام بين التأمين في الجهرية وبين قراءة السورة بقدر قراءة المأموم [ ص: 51 ] الفاتحة، وسكتة قبل تكبيرة الركوع، قال في "المجموع": وتسمية كل من الأولى والثانية سكتة مجاز، فإنه لا يسكت حقيقة لما تقرر فيهما، وعدها الزركشي خمسة: الثلاثة الأخيرة، وسكتة بين تكبيرة الإحرام، والافتتاح والقراءة، وعليه لا مجاز إلا في سكتة الإمام بعد التأمين، والمشهور الأول .

(ويقرأ في الصبح من السور الطوال) بالكسر، جمع طويلة ككريمة وكرام، (من المفصل) وهو المبين المميز، قال الله تعالى: كتاب فصلت آياته أي: جعلت تفاصيل في معان مختلفة من وعد ووعيد وحلال وحرام وغير ذلك، سمي به لكثرة فصوله، وقيل لقلة المنسوخ فيه، والحكمة فيه أن وقت الصبح طويل، والصلاة ركعتان فحسن طولها، (وفي المغرب من قصاره) ؛لأنه ضيق، فحسن فيه ذلك، (وفي الظهر والعصر والعشاء) من أوساطه (نحو: والسماء ذات البروج وما قاربها) من السور مثل: والليل إذا يغشى، وسبح اسم ربك الأعلى، والضحى، وإذا السماء انفطرت، ونحو ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سماها معها في قصة تطويل معاذ الصلاة، فأما والليل وسبح، فهي متفق عليها .

وأما والضحى فهي عند مسلم، وكذا عنده ذكر: اقرأ باسم ربك، وأما: إذا السماء انفطرت، فعند النسائي، ولأحمد من حديث أبي هريرة رفعه: أنه كان يقرأ في العشاء الأخيرة والسماء ذات البروج، والسماء والطارق، وفي الصحيحين من حديث البراء أنه قرأ في العشاء: بالتين والزيتون، وفي كون هذه مع سورة اقرأ من أوساط المفصل اختلاف، ولذا قيده بعضهم بالسفر، ونص الرافعي : ويستحب أن يقرأ في الصبح بطوال المفصل، ويقرأ في الظهر بما يقرب من القراءة في الصبح، وفي العصر والعشاء بأوساط المفصل، وفي المغرب بقصاره، وعبارة "المنهاج" للنووي: ويسن للصبح والظهر طوال المفصل، والعصر والعشاء أواسطه، والمغرب قصاره. قال الخطيب في شرحه: ظاهر كلام المصنف التسوية بين الصبح والظهر، لكن المستحب أن يقرأ في الظهر ما يقرب من الطوال، كما في "الروضة" كأصلها .

قلت: وفي كتب أصحابنا ما يوافق ما في "المنهاج"، وهو التسوية بين الصبح والظهر، واختلف في طوال المفصل فقيل: هو السبع السابع، وقيل: هو عند الأكثر من "الحجرات"، وقيل: من سورة "محمد" صلى الله عليه وسلم أو من "الفتح" أو من "ق" إلى "البروج"، وأوساطه منها إلى "لم يكن"، وقصاره منها إلى آخره، وقيل: طواله من "الحجرات" إلى "عبس"، وأوساطه من "كورت" إلى "الضحى"، والباقي، فصار هكذا في كتب أصحابنا، والأصل فيه ما روى عبد الرزاق في مصنفه أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري: أن اقرأ في المغرب بقصار المفصل، وفي العشاء بوسط المفصل، وفي الصبح بطوال المفصل، وقال الخطيب: واختلف في أول المفصل على عشرة أقوال للسلف، قيل: الصافات، وقيل: الجاثية، وقيل: القتال، وقيل: الفتح، وقيل: الحجرات، وقيل: ق، وقيل: الصف، وقيل: سبح، وقيل: تبارك، وقيل: الضحى، ورجح النووي في "الدقائق والتحرير" أنه الحجرات، وعلى هذا طواله كالحجرات، وقيل: "اقتربت" و"الرحمن"، وأوساطه كالشمس وضحاها، و"الليل إذا يغشى"، وقصاره كالعصر والإخلاص، وقيل: طواله من الحجرات إلى "عم"، ومنها إلى الضحى أوساطه، ومنها إلى آخر القرآن قصاره .

قلت: وذكر أبو منصور التميمي عن نص الشافعي تمثيل قصاره بالعاديات ونحوها، ولا شك أن الأوساط مختلفة، كما أن قصاره مختلفة، كما أن طواله فيها ما هو أطول من بعض، والله أعلم .



(تنبيه) :

قال النووي في "المنهاج": ويسن لصبح الجمعة في الأولى "الم السجدة"، وفي الثانية: "هل أتى"، قال الخطيب: فإن ترك "الم" في الأولى سن أن يأتي بها في الثانية، فإن اقتصر على بعضها أو غيرها خالف السنة، قال الفارقي: ولو ضاق الوقت عنها أتى بالممكن ولو آية السجدة، وبعض "هل أتى"، قال الأذرعي: وهو غريب لم أره لغيره، وعن أبي إسحاق وابن أبي هريرة: لا تستحب المداومة عليها، ليؤذن أن ذلك غير واجب، وقيل للعماد بن يونس أن العامة صاروا يرون قراءة السجدة يوم الجمعة واجبة، وينكرون على من يتركها، فقال: تقرأ في وقت، وتترك في وقت، فيعرفوا أنها غير واجبة اهـ .

وقال بعض أصحابنا: وقد ترك الحنفية -إلا ما ندر منهم- هذه السنة، [ ص: 52 ] ولازم عليها الشافعية إلا القليل، فظن جهلة المذهبين بطلان الصلاة بالفعل والترك، فلا ينبغي الترك دائما ولا الملازمة أبدا، وروي أنه صلى الله عليه وسلم: "كان يقرأ في الظهر "والليل إذا يغشى"، وقرأ فيها "سبح اسم ربك"، وفي العشاء الأخيرة "والشمس وضحاها"، وفي المغرب "قل يا أيها الكافرون"، و"قل هو الله أحد". والظاهر أن هذا الاختلاف لاختلاف الأحوال، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "من أم قوما، فليصل بهم صلاة أضعفهم"، وهي لا تبلغ القدر المسنون، ولكن تكون سنة باعتبار مراعاة الحال، روي "أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الفجر بالمعوذتين، فلما فرغ قالوا: أوجزت، قال: سمعت بكاء صبي فخشيت أن تفتن أمه". وكذا قال صاحب "البدائع": إن التقدير يختلف باختلاف الحال والوقت والقوم، وفي "الشامل" قال أصحابنا: لو قرأ الإمام والمنفرد في الصبح والظهر من أوساط المفصل أو قصاره لم يكن خارجا من السنة، فقد روي "أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصبح "إذا زلزلت". وروي أيضا أنه قرأ بلا أقسم. وقال النووي : استحباب قراءة طوال المفصل وأوساطه إذا رضي المأمومون المحصورون بتطويله، وإلا فليخفف .

قال الأذرعي: وهو غريب، وعبارات الأئمة ترد عليه، وكذلك حديث تطويل معاذ في العشاء .




الخدمات العلمية