الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومهما كان الصف الأول متروكا خاليا ، فله أن يتخطى رقاب الناس لأنهم ضيعوا حقهم ، وتركوا موضع الفضيلة .

قال : الحسن تخطوا رقاب الناس الذين يقعدون على أبواب الجوامع يوم الجمعة فإنه ، لا حرمة لهم .

وإذا لم يكن في المسجد إلا من يصلي ، فينبغي أن لا يسلم لأنه ، تكليف جواب في غير محله .

التالي السابق


ثم إن التخطي قد يكون حراما في بعض صوره، وقد يكون مكروها في بعضها، وقد يكون مباحا، وقد أشار المصنف إلى ما يباح منه، فقال: (ومهما كان الصف الأول متروكا خاليا، فله أن يتخطى رقاب الناس) ، ويتقدم إلى الصف، فيكمله (لأنهم ضيعوا حقهم، وتركوا موضع الفضيلة) الذي هو الصف الأول .

قال صاحب القوت: وقد قيل: أربع من الجفاء؛ أن يبول الرجل قائما، أو يصلي في الصف الثاني ويترك الأول فارغا، أو يمسح جبهته في صلاته، أو يصلي في سبيل من يمر بين يديه (قال: الحسن) : ولفظ القوت: وقد كان الحسن رحمه الله يقول: (تخطوا رقاب الناس الذين يقعدون على أبواب الجامع يوم الجمعة، فإنهم لا حرمة لهم) ، أي: لأنهم تركوا محل الفضائل، ولم يدخلوا في الصفوف، وقعدوا على الأبواب ينظرون الداخل والخارج، ولا بد للمصلي أن يدخل المسجد، ولا يمكنه إلا بالتخطي عليهم، فإنه يباح للداخل ذلك، وفي حديث سلمان عند البخاري ومسلم: ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، وعند أبي داود من حديث ابن عمر: ثم لم يتخط رقاب الناس ... الحديث، وقد عقد البخاري في صحيحه باب لا يفرق بين اثنين. قال شارحه: التفرقة تتناول أمرين: أحدهما: أن يزحزح رجلين عن مكانهما ويجلس بينهما، والثاني: التخطي، وهذا مكروه لما فيه من الوعيد الشديد في الأخبار، بعض ذلك قد تقدم. نعم لا يكره للإمام إذا لم يبلغ المحراب إلا بالتخطي لاضطراره إليه، ومن

[ ص: 262 ] لم يجد فرجة بأن لم يبلغها إلا بتخطي صف، أو صفين، فلا يكره، وإن وجد غيرها؛ لتقصير القوم بإخلاء الفرجة، لكن يستحب له إن وجد غيرها أن لا يتخطى، وهل الكراهة المذكورة للتنزيه، أو للتحريم؟ صرح بالأول النووي في المجموع، ونقل الشيخ أبو حامد الثاني عن نص الشافعي، واختاره في الروضة في الشهادات، وقيد أصحاب مالك والأوزاعي بما إذا كان الإمام على المنبر لما تقدم من الأحاديث التي فيها القيد بذلك. اهـ. ومقتضى ذلك أنه إن لم يكن على المنبر فلا بأس به .

قلت: ومقتضى عبارات أصحابنا الإطلاق، فإنه يتأذى به المسلمون. والله أعلم .

وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف، عن جعفر بن غياث، عن عمرو، عن الحسن قال: لا بأس أن يتخطى رقاب الناس إذا كان في المسجد سعة، وعن الفضل بن دكين، عن حميد الأصم، عن أبي قيس قال: دخل ابن مسعود المسجد يوم جمعة، وعليه ثياب بيض حسان، فرأى مكانا فيه سعة، فجلس. وعن وكيع، عن سفيان، عن حماد، عن عمر بن عطية، عن سلمان قال: إياك وتخطي رقاب الناس يوم الجمعة، واجلس حيث تبلغ بك الجمعة.

وأخرج بسنده، عن سعيد بن المسيب: لأن أصلي الجمعة بالحرة أحب إلي من التخطي.

وأخرج عن أبي هريرة مثل ذلك، ومن طريق كعب بن خوات، عن كعب قال: لأن أدع الجمعة أحب إلي من أن أتخطى رقاب الناس. كل هذا في المصنف .

وأخرج أبو داود من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رفعه: ومن تخطى رقاب الناس كانت له ظهرا. والأحاديث في الباب كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية .

(وإذا لم يكن في المسجد إلا من يصلي، فينبغي أن لا يسلم، فإنه) ، أي: سلامه حينئذ (تكليف جواب في غير محله) ؛ إذ لا يصادف سلامه محلا، فالأولى أن لا يسلم .




الخدمات العلمية