الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإن دخل لعبور أو جلوس فليقل : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر يقولها أربع مرات يقال إنها عدل ركعتين في الفضل .

ومذهب الشافعي رحمه الله أنه لا تكره التحية في أوقات الكراهية وهي بعد العصر وبعد الصبح ووقت الزوال ووقت الطلوع والغروب ، لما روي أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد العصر ، فقيل له : أما نهيتنا عن هذا ؟ فقال : هما ركعتان كنت أصليهما بعد الظهر ، فشغلني عنهما الوفد فأفاد هذا الحديث فائدتين إحداهما أن الكراهية مقصورة على صلاة لا سبب لها .

التالي السابق


( فإن دخل) المسجد ( لعبور) أي مرور بأن كان المسجد له بابان أو أكثر، فعبر من باب إلى باب ( أو جلوس) لأمر من الأمور، وهو على غير وضوء ( فليقل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر يقولها أربع مرات فيقال) على ما ذكره صاحب القوت في كتاب الجمعة: ( إنها) تلك الكلمات ( عدل ركعتين في الفضل) وجه المناسبة أن الكلمات أربعة، فإذا قالها أربع مرات تتحصل ست عشرة مرة، وكل ركعة فيها قيام وركوع وسجدتان، هؤلاء أربعة، والركعة الثانية كذلك صار المجموع ثمانية، وفي كل ركعة أربع تكبيرات، فإذا جمعت صارت ثمانية؛ فالمجموع ستة عشر .

( ومذهب الشافعي رضي الله عنه أنه لا تكره التحية في أوقات الكراهة) يعني: يقول باستحبابها في كل حال حتى في أوقات الكراهة، ( وهي) خمسة: ( بعد) صلاة ( العصر) حتى تغرب الشمس ( وبعد) صلاة ( الصبح) حتى تطلع الشمس ( ووقت الزوال) وهي حالة استواء الشمس في كبد السماء حتى تزول، ( ووقت الطلوع، و) وقت ( الغروب) فهذه خمسة أوقات نهي عن الصلاة فيها ( لما روي أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد العصر، فقيل له: أما نهيتنا عن هذا؟) أي: عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب ( فقال: هما ركعتان كنت أصليهما بعد الظهر، فشغلني عنهما الوفد) .

قال العراقي : أخرجاه من حديث أم سلمة، ولمسلم من حديث عائشة : كان يصلي ركعتين قبل العصر، ثم إنه شغله عنهما .. الحديث. ا هـ .

قلت: لفظ البخاري في باب إذا كلم، وهو يصلي فأشار بيده واستمع، حدثنا يحيى بن سلمان، حدثني ابن وهب، أخبرني عمرو، عن بكير، عن كريب أن ابن عباس، والمسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن أزهر أرسلوه إلى عائشة رضي الله عنها، فقالوا: اقرأ عليها السلام منا جميعا، وسلها عن الركعتين بعد صلاة العصر، وقل لها: إنا أخبرنا أنك تصليهما، وقد بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنهما، قال ابن عباس، وكنت أضرب الناس مع عمر بن الخطاب عنهما، فقال كريب: فدخلت على عائشة فبلغتها ما أرسلوني به فقالت: سل أم سلمة، فخرجت إليها فأخبرتهم بقولها [ ص: 460 ] فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة فقالت أم سلمة رضي الله عنها: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما، ثم رأيته يصليهما حين صلى العصر، ثم دخل علي، وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار فأرسلت إليه جارية فقلت: قومي بجنبه قولي له: تقول لك أم سلمة: يا رسول الله سمعتك تنهى عن هاتين، وأراك تصليهما، فإن أشار بيده فاستأخري عنه، ففعلت الجارية فأشار بيده، فاستأخرت عنه، فلما انصرف، قال: يا ابنة أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر، وإنه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان. وأخرجه كذلك في المغازي، ومسلم، وأبو داود في الصلاة، وأورده معلقا مختصرا في الباب الذي يليه، وأيضا في باب ما يصلى بعد العصر من الفوائت.

وأخرج في هذا الباب من طريق عبد الواحد بن أيمن عن أبيه أنه سمع عائشة تقول: والذي ذهب به ما تركهما حتى لقي الله تعني الركعتين بعد صلاة العصر. ومن طريق هشام بن عروة عنها قالت له: يا ابن أختي ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم السجدتين بعد العصر عندي قط. ومن طريق أبي إسحاق قال: رأيت الأسود ومسروقا شهدا على عائشة قالت: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين.

( وأفاد هذا الحديث فائدتين إحداهما أن الكراهة مقصورة على صلاة لا سبب لها) .

قال الولي العراقي في شرح التقريب: ذهب أصحابنا إلى أن النهي في جميع الصور إنما هو في صلاة لا سبب لها، فأما ما له سبب متقدم عليه أو مقارن له فيجوز فعله في وقت الكراهة، وهذا كالفائتة، ولو كانت من الرواتب أو من النوافل التي اتخذها الإنسان وردا له، وكصلاة الجنازة، وسجود التلاوة، والشكر ركعتي الطواف، وصلاة الكسوف، وسنة الوضوء، ولو توضأ في وقت الكراهة، وصلاة الاستسقاء على الأصح، خلافا لما صححه النووي في شرح المهذب فيها في بابها، وتحية المسجد إذا دخل لفرض غير صلاة التحية، فلو دخل لا لحاجة بل ليصلي التحية فقط، ففيه وجهان: ذكر الرافعي والنووي أن أقيسهما الكراهة هذا، وقوله: المسجد في ذلك الوقت بذلك القصد لا فعل التحية في ذلك الوقت، وقولي أولا ما له سبب متقدم أم مقارن له خرج به ما له سبب متأخر عنه كصلاة الاستخارة، وركعتي الإحرام فيكره فعلهما في وقت الكراهة على الأصح، وقال في شرح المهذب أن مقابله قوي. اهـ .




الخدمات العلمية