الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف

وذلك في ليال بقين من شوال سنة عشر من النبوة ، قال ابن إسحاق :

ولما هلك أبو طالب ونالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم تكن تنال منه في حياته ، خرج إلى الطائف وحده - وقال ابن سعد : ومعه زيد بن حارثة - يلتمس النصرة من ثقيف والمنعة بهم من قومه ، ورجا أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله ، فلما انتهى إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف ، وهم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم ، وهم إخوة ثلاثة : عبد ياليل ، ومسعود ، وحبيب ، بنو عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن [ ص: 232 ] عوف بن ثقيف ، وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح ، فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام ، والقيام معه على من خالفه من قومه . فقال له أحدهم : هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك . وقال الآخر : أما وجد الله أحدا يرسله غيرك . وقال الثالث : والله لا أكلمك أبدا ، لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام ، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي أن أكلمك . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف ، وقد قال لهم - فيما ذكر لي - : إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا علي ، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه عنه ، فلم يفعلوا ، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به ، حتى اجتمع عليه الناس .

قال موسى بن عقبة : قعدوا له صفين على طريقه ، فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين صفيهم جعل لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة ، حتى أدموا رجليه .

زاد سليمان التيمي : أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أذلقته الحجارة قعد إلى الأرض ، فيأخذون بعضديه فيقيمونه ، فإذا مشى رجموه وهم يضحكون .

وقال ابن سعد : وزيد بن حارثة يقيه بنفسه ، حتى لقد شج في رأسه شجاجا . قال ابن عقبة : فخلص منهم ، ورجلاه تسيلان دما ، فعمد إلى حائط من حوائطهم فاستظل في ظل حبلة منه وهو مكروب موجع ، وإذا في الحائط عتبة ، وشيبة ابنا [ ص: 233 ] ربيعة ، فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما لله ورسوله . قال : فلما رآه ابنا ربيعة وما لقي تحركت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس ، فقالا له : خذ قطفا من هذا العنب ، فضعه في هذا الطبق ، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل ، فقل له يأكل منه ، ففعل عداس ، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال له : كل ، فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده قال : بسم الله ، ثم أكل ، فنظر عداس في وجهه ، ثم قال : والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومن أي البلاد أنت يا عداس ؟ وما دينك ؟ قال : نصراني وأنا من أهل نينوى . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أهل قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟ قال له عداس : وما يدريك لقد أعلمني بأمر لا يعلمه إلا نبي . قالا : ويحك يا عداس ، لا يصرفنك عن دينك فإن دينك خير من دينه
.

التالي السابق


الخدمات العلمية