الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر المؤاخاة

وكانت المؤاخاة مرتين: الأولى بين المهاجرين بعضهم وبعض قبل الهجرة على الحق والمواساة، آخى بينهم النبي صلى الله عليه وسلم، فآخى بين أبي بكر ، وعمر، وبين حمزة ، وزيد بن حارثة، وبين عثمان ، وعبد الرحمن بن عوف، وبين الزبير ، وابن مسعود، وبين عبيدة بن الحارث ، وبلال، وبين مصعب بن عمير ، وسعد بن أبي وقاص، وبين أبي عبيدة ، وسالم مولى أبي حذيفة، وبين سعيد بن زيد ، وطلحة بن عبيد الله، وبين علي ونفسه صلى الله عليه وسلم.

قرأت على أبي الربيع سليمان بن أحمد المرجاني بثغر الإسكندرية وغيره: عن محمد بن عماد قال: أخبرنا ابن رفاعة قال: أخبرنا الخلعي قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن الحسن بن جعفر العطار ، حدثنا أبو محمد الحسن بن رشيق العسكري ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن رزيق بن جامع المديني، ثنا أبو الحسين سفيان بن بشر الأسدي ، حدثنا علي بن هاشم بن البريد ، عن كثير النواء ، عن جميع بن عمير، عن عبد الله بن عمر، قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، فآخى بين أبي بكر ، وعمر، وفلان وفلان، حتى بقي علي عليه السلام، وكان رجلا شجاعا، ماضيا على أمره إذا أراد شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما ترضى أن أكون أخاك" قال: بلى يا رسول الله رضيت. قال: "فأنت [ ص: 322 ] أخي في الدنيا والآخرة". قال: كثير فقلت لجميع بن عمير: أنت تشهد بهذا على عبد الله بن عمر؟ قال: نعم أشهد.

فلما نزل عليه الصلاة والسلام المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار على المواساة والحق في دار أنس بن مالك، فكانوا يتوارثون بذلك دون القرابات، حتى نزلت وقت وقعة بدر: ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) فنسخت ذلك. وكانت المؤاخاة بعد بنائه عليه الصلاة والسلام المسجد. وقد قيل: كان ذلك والمسجد يبنى، وقال أبو عمر: بعد قدومه عليه الصلاة والسلام المدينة لخمسة أشهر.

قرئ على أبي عبد الله بن أبي الفتح المقدسي بمرج دمشق وأنا أسمع، أخبركم ابن الحرستاني سماعا، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور بن قبيس الغساني قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أبي الحديد السلمي، قال: أخبرنا جدي أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان، قال: أخبرنا محمد بن جعفر بن محمد أبو بكر الخرائطي قراءة عليه، حدثنا سعدان ، حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: قال المهاجرون: يا رسول الله، ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أحسن بذلا من كثير، كفونا المؤنة، وأشركونا في المهنأ، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله، قال: "لا، ما أثنيتم عليهم ودعوتم لهم" .

وبه إلى الخرائطي ، حدثنا سعدان بن نصر ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن نافع، عن ابن عمر قال: لقد رأيتنا وما الرجل المسلم بأحق بديناره ودرهمه من [ ص: 323 ] أخيه المسلم. رواه مسلم ، عن أبي كريب ، والترمذي ، والنسائي ، عن هناد، كلاهما عن أبي معاوية، فوقع لنا بدلا عاليا لهم.

وقال ابن إسحاق: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، فقال: "تآخوا في الله أخوين أخوين"، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب، فقال: هذا أخي.فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي أخوين، وحمزة ، وزيد بن حارثة أخوين، وإليه أوصى حمزة يوم أحد.

وذكر سنيد بن داود: أن زيد بن حارثة ، وأسيد بن الحضير أخوان، وهو حسن إذ هما أنصاري ومهاجري، وأما المؤاخاة بين حمزة ، وزيد فقد ذكرناها في المرة الأولى.

رجع إلى ابن إسحاق: وجعفر بن أبي طالب ، ومعاذ بن جبل أخوين، وأنكره الواقدي لغيبة جعفر بالحبشة، وعند سنيد: أن المؤاخاة كانت بين ابن مسعود ، ومعاذ بن جبل.

رجع: وأبو بكر بن أبي قحافة ، وخارجة بن زيد بن أبي زهير أخوين، وعمر بن الخطاب ، وعتبان بن مالك أخوين، وأبو عبيدة بن الجراح ، وسعد بن معاذ أخوين، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن الربيع أخوين، والزبير بن العوام ، وسلمة بن سلامة بن وقش أخوين، ويقال: بل الزبير ، وعبد الله بن مسعود. قلت: هذا كان في المؤاخاة الأولى قبل الهجرة. وعثمان بن عفان ، وأوس بن ثابت بن المنذر أخوين، وطلحة بن عبيد الله ، وكعب بن مالك [ ص: 324 ] أخوين، وسعيد بن زيد ، وأبي بن كعب أخوين، ومصعب بن عمير ، وأبو أيوب خالد بن زيد أخوين، وأبو حذيفة بن عتبة ، وعباد بن بشر أخوين، وعمار بن ياسر ، وحذيفة بن اليمان أخوين، ويقال: بل ثابت بن قيس بن الشماس. ، وأبو ذر ، والمنذر بن عمر أخوين، وأنكره الواقدي; لغيبة أبي ذر عن المدينة، وقال: لم يشهد بدرا ولا أحدا ولا الخندق، وإنما قدم بعد ذلك، وعنده: طليب بن عمير ، والمنذر بن عمرو أخوين.

رجع إلى ابن إسحاق: وحاطب بن أبي بلتعة ، وعويم بن ساعدة أخوين، وسلمان الفارسي ، وأبو الدرداء أخوين، وبلال ، وأبو رويحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي أخوين، وعند سنيد بن داود فيما حكاه أبو عمر: المؤاخاة بين أبي مرثد ، وعبادة بن الصامت، وبين سعد ، وسعد بن معاذ، وبين عبد الله بن جحش ، وعاصم بن ثابت بن أبي الأفلح، وبين عتبة بن غزوان ، وأبي دجانة، وبين أبي سلمة بن عبد الأسد ، وسعد بن خيثمة، وبين عثمان بن مظعون ، وأبي الهيثم بن التيهان. وزاد غيره: وبين عبيدة بن الحارث ، وعمير بن الحمام، وبين الطفيل بن الحارث أخي عبيدة ، وسفيان بن نسر بن زيد من بني جشم بن الحرث بن الخزرج، وبين الحصين أخيهما وعبد الله بن جبير، وبين عثمان بن مظعون ، والعباس بن عبادة بن نضلة، وبين صفوان بن بيضاء ، ورافع بن المعلى، وبين المقداد ، وابن رواحة، وبين ذي الشمالين ، ويزيد بن الحارث - من بني حارثة - وبين عمير بن أبي وقاص ، وخبيب بن عدي، وبين عبد الله بن مظعون ، وقطبة بن عامر بن حديدة، وبين شماس بن عثمان ، وحنظلة بن أبي عامر، وبين الأرقم بن أبي الأرقم ، وطلحة بن زيد، وبين زيد بن الخطاب ، ومعن بن عدي، وبين عمرو بن سراقة ، وسعد بن زيد - من بني عبد الأشهل - وبين عاقل بن البكير ، ومبشر بن عبد المنذر، [ ص: 325 ] وبين عبد الله بن مخرمة ، وفروة بن عمرو البياضي، وبين خنيس بن حذافة ، والمنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح، وبين سبرة بن أبي رهم ، وعبادة بن الخشخاش، وبين مسطح بن أثاثة ، وزيد بن المزين، وبين عكاشة بن محصن ، والمجذر بن ذياد - حليف الأنصار - وبين عامر بن فهيرة ، والحارث بن الصمة، وبين مهجع مولى عمر ، وسراقة بن عمرو بن عطية - من بني غنم بن مالك بن النجار - .

وكل هذا المزيد عن أبي عمر، وقيل: كان عددهم مائة: خمسين من المهاجرين وخمسين من الأنصار.

وزيد بن المزين، كذا وجد بخط أبي عمر، بزاي مفتوحة وياء آخر الحروف مشددة مفتوحة. وفي أصل ابن مفوز: المزين مكسور الميم، ساكنة الزاي، مفتوحة الياء. وعند ابن هشام: ابن المزني.

قال ابن إسحاق: فلما دون عمر الدواوين بالشام، وكان بلال قد خرج إلى الشام فأقام بها مجاهدا، فقال عمر ، لبلال: إلى من تجعل ديوانك؟ قال: مع أبي رويحة، لا أفارقه أبدا، للأخوة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد بيني وبينه، فضمه إليه، وضم ديوان الحبشة إلى خثعم لمكان بلال منهم، فهو في خثعم إلى هذا اليوم بالشام.

التالي السابق


الخدمات العلمية