الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ أخبار كفار اليهود والمنافقين] وذكر ابن إسحاق: ، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: حدثت عن صفية ابنة حيي، أنها قالت: كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة غدوا عليه، ثم جاءا من العشي، فسمعت عمي يقول لأبي: أهو هو؟ قال: نعم والله. قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم، قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته - والله - ما بقيت.

وذكر ابن إسحاق من المنافقين: روي بن الحارث ، والحارث بن سويد، وجلاس بن سويد، وكان ممن تخلف عن غزوة تبوك، وقال: لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمر. فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمير بن سعد، وكان في حجر جلاس، خلف على أمه، فقال له عمير: والله يا جلاس إنك لأحب الناس إلي، وأحسنهم عندي يدا، ولقد قلت مقالة لئن رفعتها عنك لأفضحنك، ولئن صمت عنها ليهلكن ديني، ولإحداهما أيسر علي من الأخرى، ثم مشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ما قال جلاس. فحلف جلاس بالله لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد كذب علي عمير، وما قلت ما قال. فأنزل الله تعالى: ( يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم ) إلى قوله: ( وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير ) فزعموا أنه تاب، فحسنت توبته.

وزاد ابن سعد في هذا الخبر: فقال - (يعني جلاسا) - : قد قلته، وقد عرض الله علي التوبة، فأنا أتوب، فقبل ذلك منه. وكان له قتيل في الإسلام، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه ديته فاستغنى بذلك. قال: وكان قد هم أن يلحق بالمشركين. قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للغلام: "وفت أذنك".


وقال الواقدي: ولم ينزع الجلاس عن خير كان يصنعه [ ص: 336 ] إلى عمير، فكان ذلك مما عرفت به توبته.

وأخوه الحارث هو الذي قتل المجذر بن ذياد البلوي يوم أحد بأبيه سويد بن الصامت، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب بقتل الحارث إن ظفر به، ففاته فكان بمكة، ثم بعث إلى أخيه الجلاس يطلب التوبة، فأنزل الله فيه فيما بلغني عن ابن عباس:

( كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم ) إلى آخر القصة.

وقال الواقدي: إن الحارث أتى مسلما بعد الفتح، وكان قد ارتد ولحق بالمشركين، فقتله النبي صلى الله عليه وسلم بالمجذر.

ومن بني ضبيعة بن زيد: بجاد بن عثمان ، ونبتل بن الحارث، وهو الذي قال: إنما محمد أذن، من حدثه شيئا صدقه، فأنزل الله فيه: ( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن ) وأبو حبيبة بن الأزعر، وكان ممن بنى مسجد الضرار، وثعلبة بن حاطب ، ومعتب بن قشير، وهما اللذان عاهدا الله ( لئن آتانا من فضله ) إلى آخر القصة. ومعتب الذي قال يوم أحد: ( لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا ) وهو الذي قال يوم الأحزاب: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الغائط، فأنزل الله: ( وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ) - وأنكر ابن هشام دخول ثعلبة ، ومعتب في المنافقين - وعباد بن حنيف - أخو سهل ، وعثمان - وجارية بن عامر، وابناه مجمع ، وزيد - وقيل: لا يصح عن مجمع النفاق - وذكر آخرين.

[ ص: 337 ] ومن بني أمية بن زيد: وديعة بن ثابت، وهو الذي كان يقول: ( إنما كنا نخوض ونلعب ) .

ومن بني عبيد: خدام بن خالد، وهو الذي أخرج مسجد الضرار من داره، وبشر ، ورافع بن زيد.

ومن بني النبيت عمر بن مالك بن الأوس: مربع بن قيظي، وأخوه أوس ، وأوس الذي قال يوم الخندق: إن بيوتنا عورة فأذن لنا فلنرجع إليها، فأنزل الله فيه: ( يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة ) الآية.

ومن بني ظفر: حاطب بن أمية ، وبشير بن أبيرق ، والحارث بن عمرو بن حارثة. وعند ابن إسحاق: بشير، وهو أبو طعمة سارق الدرعين، الذي أنزل الله فيه: ( ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ) ، وقزمان: حليف لهم، وهو المقتول يوم أحد بعد أن أبلى في المشركين، قتل نفسه بعد أن أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من أهل النار.

ولم يكن في بني عبد الأشهل منافق ولا منافقة، إلا أن الضحاك بن ثابت اتهم بشيء من ذلك ولم يصح.

ومن الخزرج من بني النجار: رافع بن وديعة ، وزيد بن عمرو ، وعمرو بن قيس ، وقيس بن عمرو بن سهل.

ومن بني جشم بن الخزرج : الجد بن قيس، وهو الذي يقول: يا محمد ائذن لي ولا تفتني.

ومن بني عوف بن الخزرج: عبد الله بن أبي بن سلول، وكان رأس المنافقين، وهو الذي قال: ( لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ) في غزوة بني المصطلق، وفيه نزلت سورة المنافقين بأسرها.

[ ص: 338 ] قال أبو عمر: وزيد بن أرقم هو الذي رفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن أبي قوله: ( لئن رجعنا إلى المدينة ) ، فأكذبه عبد الله بن أبي وحلف، فأنزل الله تصديق زيد بن أرقم، فتبادر أبو بكر ، وعمر إلى زيد ليبشراه، فسبق أبو بكر، فأقسم عمر أن لا يبادره بعدها إلى شيء، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بأذن زيد وقال: "وفت أذنك يا غلام" .

ووديعة ، وسويد ، وداعس من رهط ابن سلول، وهم وعبد الله بن أبي الذين كانوا يدسون إلى بني النضير حين حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اثبتوا، فوالله لئن أخرجتم لنخرجن معكم القصة.

وكان النفاق في الشيوخ ولم يكن في الشباب، إلا في واحد وهو قيس بن عمرو بن سهل.

رجع إلى ابن إسحاق: فكان ممن تعوذ بالإسلام وأظهره وهو منافق من أحبار يهود، من بني قينقاع: سعد بن حنيف ، وزيد بن اللصيت ، ونعمان بن أوفى بن عمرو ، وعثمان بن أوفى. وزيد بن اللصيت هو الذي قال حين ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم: يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء، وهو لا يدري أين ناقته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وجاءه الخبر بما قال عدو الله - : "إن قائلا، قال: يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء ولا يدري أين ناقته. وإني والله ما أعلم إلا ما علمني ربي، وقد دلني الله عليها، وهي في هذا الشعب قد حبستها شجرة بزمامها". فذهب رجال من المسلمين فوجدوها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما وصف. ورافع بن حريملة، وهو الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات: "قد مات اليوم عظيم من عظماء المنافقين". ورفاعة بن زيد بن التابوت، وهو الذي اشتدت الريح يوم موته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قافل من غزوة بني المصطلق "إنها هبت لموت عظيم من عظماء الكفار". وسلسلة بن برهام ، وكنانة بن صوريا.

[ ص: 339 ] وكان هؤلاء يحضرون المسجد فيسخرون من المسلمين، فأمر صلى الله عليه وسلم بإخراجهم منه فأخرجوا، ففيهم نزل صدر سورة البقرة إلى المائة منها.

التالي السابق


الخدمات العلمية